43ـ أشراط الساعة: كثرة المطر بدون فائدة منه

43ـ أشراط الساعة: كثرة المطر بدون فائدة منه

 

 أشراط الساعة

43ـ كثرة المطر بدون فائدة منه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا النَّبِيُّ الكَرِيمُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، والتي مَا ظَهَرَتْ بَعْدُ؛ نُزُولُ المَطَرِ بَغَزَارَةٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ، بِحَيْثُ لا تُسْتَرُ مِنْهُ البُيُوتُ.

روى الإمام أحمد في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُمْطَرَ النَّاسُ مَطَرَاً، لَا تُكِنُّ مِنْهُ بُيُوتُ الْمَدَرِ، وَلَا تُكِنُّ مِنْهُ إِلَّا بُيُوتُ الشَّعَرِ».

أيُّها الإخوة الكرام: من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَثْرَةُ المَطَرِ، وَقِلَّةُ النَّبَاتِ، فَإِذَا كَانَ المَطَرُ سَبَبَاً في إِنْبَاتِ الأَرْضِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يُوجِدُ مَا يَمْنَعُ هذا السَّبَبَ من تَرَتُّبِ المُسَبَّبِ عَلَيْهِ، واللهُ تعالى خَالِقُ الأَسْبَابِ وَمُسَبِّبَاتِهَا، لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ.

حَقِيقَةُ القَحْطِ:

أيُّها الإخوة الكرام: القَحْطُ الشَّدِيدُ لَيْسَ بِأَنْ لا يُمْطَرَ النَّاسُ، بَلْ يُمْطَرُوا، وَلَكِنْ لا تُنْبِتَ الأَرْضُ شَيْئَاً، وذلكَ لأَنَّ حُصُولَ الشِّدَّةِ بَعْدَ تَوَقُّعِ الرَّخَاءِ وَظُهُورَ آثَارِهِ وَأَسْبَابِهِ أَشَدُّ وَأَفْظَعُ مِمَّا إِذَا كَانَ اليَأْسُ حَاصِلاً من أَوَّلِ الأَمْرِ، والنَّفْسُ مُتَرِقِّبَةٌ لِحُدُوثِهَا.

روى الإمام أحمد عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُمْطَرَ النَّاسُ مَطَرَاً عَامَّاً، وَلَا تُنْبِتَ الْأَرْضُ شَيْئَاً».

هذا هُوَ القَحْطُ الحَقِيقِيُّ الذي وَضَّحَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَيْسَتْ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَحْوَالُ النَّاسِ مَعَ المَاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: أَحْوَالُ النَّاسِ مَعَ المَاءِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ جَعَلَ من المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، لِيَخْتَبِرَ عِبَادَهُ وَيَبْتَلِيَهُم، أَيَشْكُرُونَ أَمْ يَكْفُرُونَ؟

لَقَد أَنْزَلَ اللهُ تعالى من السَّمَاءِ مَاءً لِيَشْرَبَ مِنْهُ عِبَادُهُ مَاءً عَذْبَاً فُرَاتَاً، قَالَ تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِذَا شَرِبَ المَاءَ قَالَ: «الحَمْدُ للهِ الذي جَعَلَهُ عَذْبَاً فُرَاتَاً بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحَاً أُجَاجَاً بِذُنُوبِنَا» رواه البيهقي عَن أَبِي جَعْفَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَجَعَلَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى المَاءَ مِحْنَةً وَبَلاءً وَعُقُوبَةً يُرْسِلُهَا للعَاصِينَ من عِبَادِهِ، والمُعْرِضِينَ عَن هَدْيِهِ وَشَرِيعَتِهِ، كَمَا فَعَلَ جَلَّ جَلالُهُ بِقَوْمِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ تعالى عَن قَوْمِ نُوحٍ: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونَاً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾.

وَكَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ سَبَأ، قَالَ تعالى: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾.

وَجَعَلَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى المَاءَ يَنْزِلُ من السَّمَاءِ فَتَكُونُ الأَرْضُ لَهُ كَالقِيعَانِ، لا تَحْبِسُ مَاءً، وَلا تُنْبِتُ كَلَأً، وهذا هُوَ القَحْطُ.

وَجَعَلَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى في نُزُولِ المَطَرِ البَرَكَةَ، بِحَيْثُ تُنْبِتُ الأَرْضُ، وَتَحْيَا بِهِ المَوَاتُ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورَاً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتَاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامَاً وَأَنَاسِيَّ كَثِيرَاً﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: وَنَحْنُ في هذهِ الأَزْمَةِ نَشْكُو إلى اللهِ تعالى قِلَّةَ المَاءِ، وَمَا قِلَّةُ المَاءِ إلا بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا وَخَطَايَانَا، لأَنَّا لَوْ كُنَّا من أَهْلِ الطَّاعَةِ والاسْتِقَامَةِ لأَسْقَانَا اللهُ تعالى مَاءً غَدَقَاً نَافِعَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقَاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابَاً صَعَدَاً﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرَاً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾.

وفي الخِتَامِ، أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُم بهذا المَشْهَدِ العَظِيمِ، دَخَلَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ على عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ  حِينَ مَرِضَ مَرَضَهُ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَشْتَكِي؟

قَالَ: ذُنُوبِي.

قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟

قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي.

قَالَ: ألا آمُرُ لَكَ بِطَبِيبٍ؟

قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي.

قَالَ: ألا آمُرُ لَكَ بِعَطَاءٍ؟

قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ.

قَالَ: يَكُونُ لِبَنَاتِكَ من بَعْدِكَ؟

قَالَ: أَتَخْشَى على بَنَاتِيَ الفَقْرَ؟ إِنِّي أَمَرْتُ بَنَاتِي يَقْرَأْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةَ الوَاقِعَةِ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَن قَرَأَ سُورَةَ الوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدَاً».

أيُّها الإخوة الكرام: نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى ثِقَةٍ باللهِ تعالى، قَبْلَ أَنْ تَقُومَ قِيَامَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ الكُبْرَى نُزُولُ المَطَرِ بِدُونِ نَفْعٍ، فَإِنَّ من عَلامَاتِ سَخَطِ اللهِ تعالى أَنْ يُذِيقَ الأُمَّةَ لِبَاسَ الخَوْفِ والجُوعِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَيْهِ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 8/محرم /1437هـ، الموافق: 21/تشرين الأول / 2015م

 2015-10-21
 11045
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أشراط الساعة

23-12-2015 13730 مشاهدة
51ـ أشراط الساعة: تقارب الزمان

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَمَّا تَظْهَرْ بَعْدُ، تَقَارُبُ الزَّمَانِ، وَقَد وَقَعَ مَبَادِيهِ وَلَمْ يَسْتَحْكِمْ. ... المزيد

 23-12-2015
 
 13730
09-12-2015 18592 مشاهدة
50ـ أشراط الساعة: قلة الرجال, وكثرة النساء

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي تَحَدَّثَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ذَهَابُ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ خَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ. ... المزيد

 09-12-2015
 
 18592
02-12-2015 6951 مشاهدة
49ـ أشراط الساعة: مرور الرجل بقبر, يتمنى لو كان مكانه

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، والتي لَمْ تَقَعْ بَعْدُ بِشَكْلٍ عَامٍّ؛ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ من القُبُورِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ، ... المزيد

 02-12-2015
 
 6951
25-11-2015 29307 مشاهدة
48ـ أشراط الساعة: الريح الطيبة التي تأخذ أرواح المؤمنين

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: إِرْسَالُ رِيحٍ لَطِيفَةٍ بَارِدَةٍ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ المُؤْمِنِينَ، ... المزيد

 25-11-2015
 
 29307
17-11-2015 6338 مشاهدة
47ـ أشراط الساعة: شمول الإسلام أرجاء المعمورة

مِن عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ: اِنْتِشَارُ الإِسْلَامِ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ، حَتَّى يَشْمَلَ جَمِيعَ مَا على سَطْحِ الأَرْضِ، بِحَيْثُ لا يَبْقَى بَيْتُ حَجَرٍ، ولا وَبَرٍ، ولا مَدَرٍ، إلا وَيَدْخُلُهُ هذا الدِّينُ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، ... المزيد

 17-11-2015
 
 6338
11-11-2015 11507 مشاهدة
46ـ أشراط الساعة: نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيُّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ. ... المزيد

 11-11-2015
 
 11507

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5633
المقالات 3197
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419060813
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :