512ـ خطبة الجمعة: عام دراسي جديد
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيَا عِبَادَ اللهِ: سَفَرُنَا في الدُّنْيَا كَثِيرٌ، نُسَافِرُ مَتَى شِئْنَا، وَنَعُودُ مَتَى شِئْنَا، وَأَمَّا سَفَرُنَا مِنَ الدُّنْيَا يَكُونُ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، إِنْ خَرَجْنَا مِنْهَا فَلَنْ نَعُودَ، وَهَذَا السَّفَرُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِنَا، بَلْ هُوَ بِاخْتِيَارِ الذي خَلَقَنَا وَأَوْجَدَنَا فَسَفَرُنَا طَوِيلٌ، وَعُمُرُنَا قَصِيرٌ، فَبِمَاذَا نَسْتَعِدُّ؟ وَمَا هُوَ الزَّادُ الذي حَمَلْنَاهُ مَعَنَا إلى الآخِرَةِ، مَا هُوَ زَادُنَا لِيَوْمٍ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؟
يَا عِبَادَ اللهِ: مَا كَثُرَ الإِجْرَامُ في المُجْتَمَعِ إلا بِسَبَبِ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ، يَوْمِ العَرْضِ وَالحِسَابِ على اللهِ تعالى، يَوْمٍ تُوضَعُ فِيهِ المَوَازِينُ، في يَوْمٍ لَا ظُلْمَ فِيهِ.
مَا ضَاعَتِ الأُمَّةُ إلا بِسَبَبِ ضَيَاعِ شَبَابِهَا وَشَابَّاتِهَا، وَمَا ضَاعَ الشَّبَابُ وَالشَّابَّاتُ إلا بِضَيَاعِ أَوْلِيَاءِ الأُمُورِ، إلا بِضَيَاعِ الرُّعَاةِ، الذينَ خَاطَبَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يُذَكِّرُهُمْ بِاليَوْمِ الآخِرِ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمـَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
هَذَا عَامٌ دِرَاسِيٌّ جَدِيدٌ:
يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ العَامُ الدِّرَاسِيُّ الجَدِيدُ قَدْ أَقْبَلَ، وَالأُمَّةُ تَعِيشُ المَآسِي، تَعِيشُ هَذِهِ الحَرْبَ المُدَمِّرَةَ للعِبَادِ وَالبِلَادِ، لَقَدْ ضَاعَ شَبَابُ وَشَابَّاتُ الأُمَّةِ، وَضَاعَتْ دِرَاسَاتُهُمْ، بِسَبَبِ إِجْرَامِ المُجرِمِينَ، الذينَ عَاثُوا في الأَرْضِ فَسَادَاً، زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الصَّلَاحَ وَالإِصْلَاحَ، وَلَكِنَّهُمْ في الحَقِيقَةِ أَرَادُوا الفَسَادَ وَالإِفْسَادَ، وَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْـمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنِّي أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى، وَأُنَاشِدُ كُلَّ رَاعٍ فِينَا، وَكُلُّنَا رَاعٍ، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في أُمَّتِنَا، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في شَبَابِنَا وَشَابَّاتِنَا.
أولاً: يَا عِبَادَ اللهِ: إِنِّي أُخَاطِبُ كُلَّ مُدَرِّسٍ فَأَقُولُ لَهُ: يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ في جَمِيعِ مَرَاحِلِ التَّدْرِيسِ، اتَّقِ اللهَ تعالى في تَدْرِيسِكَ، وَقُمْ بِالوَاجِبِ الذي عَلَيْكَ، وَأَحْسِنْ عَمَلَكَ، وَامْلَأِ السَّاعَاتِ سَاعَاتِ العَطَاءِ بِالجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْتَ لِغَدٍ مِنْ خِلَالِ تَدْرِيسِكَ، لَا تُهْمِلْ وَلَا تُضَيِّعِ الأَوْقَاتَ، وَلَا تُحَوِّلِ الطُّلَّابَ على الدُّرُوسِ الخَاصَّةِ، حَتَّى لَا تَأْكُلَ مَالَكَ بِالحَرَامِ، هَؤُلَاءِ الطُّلَّابُ أَمَانَةٌ في عُنُقِكَ، وَسَوْفَ تُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَرَبِّ العِبَادِ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾.
وَاللهِ كُلَّمَا كَثُرَتِ المَدَارِسُ الخَاصَّةُ كُلَّمَا عَظُمَتِ المَسْؤُولِيَّةُ عَلَيْكَ أَمَامَ اللهِ تعالى، فَلْنَتَّقِ اللهَ تعالى في أَبنَاءِ المُسْلِمِينَ.
ثانياً: أُخَاطِبُ أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ فَأَقُولُ: يَا أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ، اتَّقُوا اللهَ تعالى في شَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَرَاقِبُوا بَنَاتِكُمْ وَلِبَاسَهُنَّ، وَكُونُوا على حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَخْرُجْنَ إلى مَدَارِسِهِنَّ وَجَامِعَاتِهِنَّ بِثِيَابِ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.
ثالثاً: أُخَاطِبُ شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ فَأَقُولُ: يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، اتَّقُوا اللهَ تعالى في أَعْرَاضِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ تعالى في نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، واخْشَوْا مِنَ الفِتْنَةِ في دِينِكُمْ، لِأَنَّهُ مَنْ فُتِنَ بِالنِّسَاءِ خـَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، بَعْدَ خَسَارَةِ القِيَمِ وَالأَخْلَاقِ، وَخَسَارَةِ السِّيرَةِ الحَسَنَةِ.
يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾. وَمَا ذَاكَ إلا لِسَلامَةِ قُلُوبِكُمْ، وَاذْكُرُوا قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.
رابعاً: أُخَاطِبُ كُلَّ رَاعٍ وَكُلَ مَسْؤُولٍ عَنِ المَدَارِسِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، وَعَنِ الجَامِعَاتِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، فَأَقُولُ: اتَّقُوا اللهَ تعالى في شَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَاتَّقُوا اللهَ تعالى في شَبَابِنَا وَشَابَّاتِنَا، وَاحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَجْعَلُوا الاخْتِلَاطَ بَيْنَ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، لِأَنَّهُ وَاللهِ مَا تَدَنَّى مُسْتَوَى الطُّلَّابِ إلا بِسَبَبِ الاخْتِلَاطِ الذي أَفْسَدَ لَهُمُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا، مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ للهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ؟ تَذَكَّرُوا قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا خَارِجٌ مِنَ الدُّنْيَا رَغْمَاً عَنْ أُنُوفِنَا، كُلُّنَا رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى رَغْمَاً عَنْ أُنُوفِنَا، المُجْرِمُ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، المُسْلِمُ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، الصَّالِحُ وَالمُصْلِحُ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، الفَاسِدُ وَالمُفْسِدُ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، المُضَيِّعُ شَبَابَ وَشَابَّاتِ هَذِهِ الأُمَّةِ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، وَالمُحَافِظُ عَلَيْهِمْ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ مَنْ هُوَ السَّعِيدُ وَمَنْ هُوَ الشَّقِيُّ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿أَفَنَجْعَلُ الْـمُسْلِمِينَ كَالْـمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾؟ ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 28/ ذو الحجة /1437هـ، الموافق: 30/أيلول / 2016م
اضافة تعليق |
أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد
لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد
لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد
لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد