33-دروس رمضانية 1437هـ:﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾

33-دروس رمضانية 1437هـ:﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾

.

دروس رمضانية 1437هـ

33ـ ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُشَرِّفَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَـشْرِيفٍ؛ شَرَّفَهُ بِأَعْظَمِ مُعْجِزَةٍ كَانَتْ لِأَعْظَمِ البَشَرِ على الإِطْلَاقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، شَرَّفَهُ بِمُعْجِزَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، الذي أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا في شَهْرِ رَمَضَانَ، في لَيْلَةِ القَدْرِ مِنْهُ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾.

وَكَذَلِكَ شَرَّفَهُ اللهُ تعالى بِهَذِهِ العِبَادَةِ بِعِبَادَةِ الصَّوْمِ، الذي لَا يَعْلَمُ أَجْرَ الصَّائِمِ مَا هُوَ إلا هُوَ؛ وَكَذَلِكَ شَرَّفَهُ اللهُ تعالى بِمَوْقِعَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى التي كَانَتْ فُرْقَانَاً بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَقُولُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾. لِذَا مِنَ المُنَاسِبِ أَنْ يَتَذَكَّرَ المُسْلِمُونَ كُلَّ عَامٍ هَذِهِ المَوْقِعَةَ التي صَادَفَتْ يَوْمَاً مِنْ أَيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَالتي سَمَّاهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِيَوْمِ الفُرْقَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾.

وَفَاءٌ بِالعُهُودِ، وَتَفَانٍ في الطَّاعَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ بَعْضَ الدُّرُوسِ مِنْ هَذِهِ الغَزْوَةِ العَظِيمَةِ؛ لَـمَّا سَمِعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعِيرِ قُرَيْشٍ مُقْبِلَةً مِنَ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ على رَأْسِ هَذِهِ العِيرِ، وَكَانَ في حِينِهَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً للإِسْلَامِ، نَدَبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ للخُرُوجِ إِلَيْهَا.

وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَصْدُهُ إِيَّاهُ، فَأَرْسَلَ إلى مَكَّةَ مُسْتَصْرِخَاً لِقُرَيْشٍ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَبَلَغَ الصَّرِيخُ أَهْلَ مَكَّةَ، فَجُدَّ جِدُّهُمْ، وَنَهَضُوا مُـسْرِعِينَ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ أَحَدٌ، وَحَشَدُوا مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ العَرَبِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إلا القَلِيلُ النَّادِرُ، وَجَاؤُوا على حَمِيَّةٍ، وَغَضَبٍ، وَحَنَقٍ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَبَلَغَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُرُوجُ قُرَيْشٍ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، وَكَانَ يَعْنِي الأَنْصَارَ، لِأَنَّهُمْ بَايَعُوهُ على أَنْ يَمْنَعُوهُ في دِيَارِهِمْ، فَلَمَّا عَزَمَ على الخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَهُمْ.

جَاءَ في كُتُبِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ».

فَبَادَرَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ تُعَرِّضُ بِنَا، لَعَلَّكَ تَخْشَى أَنْ تَكُونَ الأَنْصَارُ تَرَى حَقَّاً عَلَيْهَا أَلَّا تَنْصُرَكَ إِلَّا في دِيَارِهِمْ، إِنِّي أَقُولُ عَنِ الأَنْصَارِ، وَأُجِيبُ عَنْهُمْ، فَاظْعَنْ حَيْثُ شِئْتَ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ، وَمَا أُمِرْتَ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ، فَأَمْرُنَا تَبَعٌ لِأَمْرِكَ، فَوَاللهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَاللهِ لَئِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا البَحْرَ خُضْنَاهُ مَعَكَ.

وَقَالَ لَهُ المِقْدَادُ: لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾. وَلِكَنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ، وَمِنْ خَلْفِكَ.

فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ، وَسُرَّ بِمَا سَمِعَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: «سِيرُوا، وَأَبْشِرُوا».

 خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ مِنْ هَذِهِ الغَزْوَةِ أَنَّ مَا أَرَادَهُ اللهُ تعالى هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يُرِيدُهُ العَبْدُ؛ لَقَدْ كَانَ الدَّافِعُ مِنْ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ المَدِينَةِ الاسْتِيلَاءَ على عِيرِ قُرَيْشٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تعالى أَرَادَ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ قَصْدَاً أَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَلْيَقَ بِوَظِيفَتِهِمُ التي خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهَا، أَلَا وَهِيَ الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى، وَالجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، وَالتَّضْحِيَةُ بِالرُّوحِ وَالمَالِ في سَبِيلِ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ تعالى.

قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾.

وَنَتَعَلَّمُ مِنْ هَذِهِ الغَزْوَةِ أَهَمِّيَّةَ المُشَاوَرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾. مَعَ أَنَّ طَاعَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ عَيْنُ طَاعَةِ اللهِ تعالى.

وَنَتَعَلَّمُ كَيْفَ يَكُونُ الحُبُّ الصَّادِقُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ خِلَالِ مَوَاقِفِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الاتِّبَاعَ الكَامِلَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

             الأربعاء: 17/ رمضان /1437هـ، الموافق: 22/ حزيران / 2016م

 2016-06-22
 781
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 319 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 319
26-05-2022 692 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 692
26-05-2022 513 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 513
29-04-2022 384 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 384
29-04-2022 816 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 816
29-04-2022 913 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 913

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412582853
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :