126ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم: لا تدري كيف تكون الهداية

126ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم: لا تدري كيف تكون الهداية

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

126ـ لا تدري كيف تكون الهداية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ؛ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرَاً هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.

فَلَا يَأْسَ وَلَا قُنُوطَ، وَلَا تَوَانِيَ وَلَا اسْتِعْجَالَ، وَلَا يَدْرِي العَبْدُ كَيْفَ تَكُونُ الهِدَايَةُ، فَهَا هُوَ الذي قِيلَ عَنْهُ: وَاللهِ لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ أَوَّلُ شُعَاعَةٍ مِنْ نُورِ الإِسْلَامِ لَامَسَتْ قَلْبَهُ، يَوْمَ رَأَى نِسَاءَ قُرَيْشٍ يَتْرُكْنَ بَلَدَهُنَّ، وَيَرْحَلْنَ إلى بَلَدٍ بَعِيدٍ عَنْ بَلَدِهِنَّ، بِسَبَبِ مَا لَقِينَ مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ، فَرَقَّ قَلْبُهُ، وَعَاتَبَهُ ضَمِيرُهُ، فَرَثَى لَهُنَّ، وَأَسْمَعَهُنَّ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ التي لَمْ يَكُنَّ يَطْمَعْنَ أَنْ يَسْمَعْنَ مِنْهُ مِثْلَهَا.

جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَتْ: وَاللهِ إنَّا لَنَتَرَحَّلُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بَعْضِ حَاجَاتِنَا، إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ؛ ـ قَالَتْ: وَكُنَّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذَىً لَنَا وَشِدَّةً عَلَيْنَا ـ فَقَالَ: إنَّهُ لَلانْطِلَاقُ يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ؟

قَالَتْ: نَعَمْ وَاللهِ، لَنَخْرُجَنَّ فِي أَرْضِ اللهِ، آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ مَخْرَجَاً.

قَالَتْ: فَقَالَ: صَحِبَكُمْ اللهُ ـ وَرَأَيْتُ لَهُ رِقَّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا ـ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ ـ فِيمَا أَرَى ـ خُرُوجُنَا.

قَالَتْ: فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ تِلْكَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفَاً وَرِقَّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا.

قَالَ: أَطَمِعْتِ فِي إسْلَامِهِ؟

قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ: فَلَا يُسْلِمُ الَّذِي رَأَيْتِ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ.

«اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ إِسْلَامُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثَمَرَةً مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ».

قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ. رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرَاً هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، وَقَدْ سَاقَ اللهُ تعالى لِإِسْلَامِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الأَسْبَابَ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِـشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ.

بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ: لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ؛ عَلَيَّ الرَّجُلَ؛ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ.

فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ.

قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي.

قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ.

قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ.

قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمَاً فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ؛ فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا؟ وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَـصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخَاً قَطُّ أَشَدَّ صَوْتَاً مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

فَوَثَبَ القَوْمُ، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 28/ شوال /1439هـ، الموافق: 12/ تموز / 2018م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 2153 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 2153
13-02-2020 2539 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 2539
23-01-2020 3336 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 3336
16-01-2020 1552 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1552
09-01-2020 1757 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1757
03-01-2020 1378 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1378

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3234
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424599908
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :