654ـ خطبة الجمعة: على أعتاب الثلث الأخير

654ـ خطبة الجمعة: على أعتاب الثلث الأخير

654ـ خطبة الجمعة: على أعتاب الثلث الأخير

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ عَلَى أَعْتَابِ الثُّلُثِ الأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وَلَعَلَّهُ آنَ الأَوَانُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَاسِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفْسَهُ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، وَكُلُّنَا يَدْعُو: اللَّهُمَّ تَقَبَلْ مِنَّا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَتِلَاوَةَ القُرْآنِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ العُتَقَاءِ مِنَ النَّارِ.

هَلْ نَحْنُ وَصَلْنَا إلى دَرَجَةِ التَّقْوَى حَتَّى يَتَقَبَّلَ اللهُ تعالى مِنَّا؟ أَلَمْ يَقُلِ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾؟

هَا نَحْنُ في اليَوْمِ التَّاسِعِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، لِنَتَسَاءَلْ مَعَ أَنْفُسِنَا: هَلْ نَحْنُ اليَوْمَ أَفْضَلُ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ في اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ؟ هَلْ أَنْتَ اليَوْمَ أَفْضَلُ مِنَ الأَيَّامِ التي خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ هَلْ تَرَكْتَ خُلُقَاً ذَمِيمَاً خِلَالَ هَذِهِ الأَيَّامِ المُنْصَرِمَةِ؟

«بُعْدَاً لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ وَكَمْ سَمِعْنَا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الحاكم عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْضَرُوا المِنْبَرَ» فَحَضَرْنَا فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: «آمِينَ» ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: «آمِينَ» فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: «آمِينَ».

فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئَاً مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ.

قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بُعْدَاً لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْتُ: آمِينَ».

هَلْ تَرَقَّيْنَا في صِيَامِنَا فَتَحَوَّلَ امْتِنَاعُنَا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلى امْتِنَاعِنَا عَنِ المَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ؟ هَلْ تَرَقَّيْنَا إلى مُسْتَوَى صَوْمِ أَلْسِنَتِنَا وَجَوَارِحِنَا عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؟

هَلْ صَامَ سَمْعُنَا وَبَصَرُنَا وَلِسَانُنَا عَمَّا لَا يَرْضَى مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ؟ أَمْ مَا زِلْنَا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ؟

نَعَمْ لَقَدْ صُمْنَا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَأَمَّا جَوَارِحُنَا مَا زَالَتْ تَقُومُ بِعَمَلِهَا المُخِلِّ لِشَرِيعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

إِذَا كُنَّا في شَهْرِ رَمَضَانَ الذي صُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَغُلَّتْ فِيهِ مَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَفُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجِنَانِ، غَارِقِينَ في المُحَرَّمَاتِ، فَمَتَى نَتَخَلَّى عَنْهَا؟ وَمَتَى نَصِلُ إلى التَّقْوَى؟ تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيَّاً﴾.

وَلْنَحْذَرْ جَمِيعَاً مِنْ أَنْ نَنْدَرِجَ تَحْتَ دُعَاءِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَدُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُعْدَاً لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ؛ قُلْتُ: آمِينَ». وَالمُؤَمِّنُ أَحَدُ الدَّاعِيَيْنِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ عَلَى أَعْتَابِ الثُّلُثِ الأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لِنُحَاسِبْ أَنْفُسَنَا، هَلْ عَمَّقْنَا عَلَاقَتَنَا مَعَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ وَهَلْ قَوَّيْنَا إِيمَانَنَا بِرَبِّنَا؟ وَهَلْ زِدْنَا في قَائِمَةِ الطَّاعَاتِ طَاعَةً، وَتَرَكْنَا مِن قَائِمَةِ المَعَاصِي مَعْصِيَةً؟

مَا هِيَ الطَّاعَاتُ التي زَادَتْ عِنْدَكَ؟ وَمَا هِيَ المَعَاصِي التي تَرَكْتَهَا في شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعَاهَدْتَ اللهَ تعالى أَنْ لَا تَعُودَ إِلَيْهَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ عَلَى أَعْتَابِ الثُّلُثِ الأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، فَهَلْ آنَ الأَوَانُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. أَيْنَ المُقِرُّ بِظُلْمِهِ؟

يَا رَبِّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 19/ رمضان /1440هـ، الموافق: 24/ أيار / 2019م

 2019-05-24
 2222
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 483 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 483
09-04-2024 530 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 530
04-04-2024 670 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 670
28-03-2024 552 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 552
21-03-2024 988 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 988
14-03-2024 1763 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1763

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412612620
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :