659ـ خطبة الجمعة: أين من يراقب الله تعالى؟
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّا مَا خُلِقْنَا عَبَثَاً، وَلَنْ نُتْرَكَ سُدَىً ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثَاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾.
فَلْنُرَاقِبِ اللهَ تعالى حَقَّ مُرَاقَبَتِهِ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى رَقِيبٌ عَلَيْنَا، وَمُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِنَا، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾؟
أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾؟
أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾؟
أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾؟
أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾؟
اسْتِشْعَارُ مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ غَرَسَ فِينَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَلْنَسْتَحْضِرْ قُرْبَهُ تعالى مِنَّا، وَأَنَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، يَرَى جَمِيعَ أَحْوَالِنَا، وَجَمِيعَ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا، وَجَمِيعَ حَرَكَاتِنَا وَسَكَنَاتِنَا، وَهَذَا يُوجِبُ الخَشْيَةَ وَالخَوْفَ مِنَ اللهِ تعالى، وَيُوجِبُ عَلَيْنَا فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَتَرْكَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَالإِخْلَاصَ للهِ تعالى في جَمِيعِ شُؤُونِنَا.
أَيْنَ مَنْ يُرَاقِبُ اللهَ تعالى؟
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُنَا، وَانْعَكَسَتْ مَفَاهِيمُنَا، وَقَلَّ خَوْفُنَا مِنَ اللهِ تعالى، وَضَعُفَتْ مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى في نُفُوسِنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى، لَقَدِ انْتَشَـرَتِ الرَّذَائِلُ وَالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، وَكَثُرَ اتِّبَاعُ الأَهْوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَفَسَدَتِ النِّيَّاتُ، وَنَسِيَ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ رَبَّهُمْ ـ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ ـ لَقَدْ ضَاعَت العِبَادَاتُ، وَسَاءَت المُعَامَلَاتُ، وَفَسَدَت الأَخْلَاقُ.
أَيْنَ مَنْ يُرَاقِبُ اللهَ تعالى فِينَا؟
أَيْنَ مَنْ يُحَافِظُ عَلَى جَارِحَةِ السَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالفُؤَادِ؟
أَيْنَ مَنْ يُحَافِظُ عَلَى جَارِحَةِ اللِّسَانِ؟
أَيْنَ مَنْ يُحَافِظُ عَلَى لُقْمَةِ الحَلَالِ؟
أَيْنَ مَنْ يُحَافِظُ عَلَى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَفَخِذَيْهِ؟
هَلْ نَسِينَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؟
وَهَلْ نَسِينَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؟
وَهَلْ نَسِينَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمَاً يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبَاً﴾؟
وَهَلْ نَسِينَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾؟
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ نَفْسِي، وَأُخَاطِبُ كُلَّ مَنْ غَابَ عَنْهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. أُخَاطِبُ كُلَّ رَاشٍ وَمُرْتَشٍ، وَكُلَّ طَبِيبٍ، وَكُلَّ زَوْجٍ، وَكُلَّ زَوْجَةٍ، وَكُلَّ عَامِلٍ، وَكُلَّ مُوَظَّفٍ، وَكُلَّ طَالِبٍ، وَكُلَّ مُدَرِّسٍ، وَكُلَّ سَائِقٍ، وَكُلَّ صَاحِبِ جَوَّالٍ، وَكُلَّ صَاحِبِ مَحَلِّ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. وَأَقُولُ لِنَفْسِي وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا:
وَإِذَا خَـلَـوْتَ بِرِيَبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ *** وَالنَّفْسُ دَاعِـيَةٌ إِلَى الطُّغْيَانِ
فاسْتَحِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا *** إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَرَانِي
يَا عِبَادَ اللهِ: قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. دَعْوَةٌ مِنَ اللهِ تعالى لِتَسْتَقِيمَ أَحْوَالُ العِبَادِ جَمِيعَاً حُكَّامَاً وَمَحْكُومِينَ، رِجَالَاً وَنِسَاءً، أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، أَقْوِيَاءَ وَضُعَفَاءَ ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. فَلَا تَغْفُلُوا عَنِ اللهِ.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 17/ شوال /1440هـ، الموافق: 21/حزيران / 2019م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد
أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد