111ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم التوبة والإنابة

111ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم التوبة والإنابة

111ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم التوبة والإنابة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ أَعْظَمُ يَوْمٍ تَشْهَدُهُ أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهِ تَلْتَقِي القُلُوبُ، وَتَنْتَهِي العَصَبِيَّاتُ، وَتَذَوبُ الشَّحْنَاءُ وَالبَغْضَاءُ، وَفِيهِ تُسْكَبُ العَبَرَاتُ، وَتَرْتَفِعُ الآهَاتُ وَالأَنَّاتُ، وَتَخْتلِجُ القُلُوبَ الفَرْحَاتُ.

يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إلى اللهِ تعالى، يَوْمُ الاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، يَوْمُ الطَّاعَةِ وَالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمٌ يَعْرِفُ فِيهِ العُقَلَاءُ حَقِيقَةَ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَحَقَارَتَهَا، وَأَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

فَلِلَّهِ تعالى الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ حَيْثُ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَتَعَدَّدَتْ نِعَمُهُ وَآلَاؤُهُ فَلَمْ تَنْقَطِعْ، وَلَهُ الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ حَيْثُ عَمَّ فَضْلُهُ وَنَوَالُهُ، وَعَظُمَ بِرُّهُ، لِذَلِكَ وَجَبَ حَمْدُهُ وَشُكْرُهُ.

فَلِلَّهِ تعالى الحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ التي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَلَهُ الحَمْدُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ، وَجَزَى اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَنْ أُمَّتِهِ، فَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَكَشَفَ الغُمَّةَ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَمَا تَرَكَ مِنْ خَيْرٍ إِلَّا أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ، وَمَا تَرَكَ مِنْ شَرٍّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، وَتَرَكَنَا عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمُتَابَعَتِهِ.

يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ عَظِيمٌ، حَيْثُ يَجْتَمِعُ الحَجِيجُ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، تَلْبِيَةً لِنِدَاءِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالَاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾.

هُنَاكَ عَلَى صَعِيدِ عَرَفَاتٍ تُرْفَعُ الدَّعَوَاتُ، وَتُسْكَبُ العَبَرَاتُ، وَتَتَوَحَّدُ الأَهْدَافُ رَغْمَ تَبَايُنِ الأَلْوَانِ وَاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ.

هُنَاكَ عَلَى صَعِيدِ عَرَفَاتٍ تَهْفُو وَتَحِنُّ القُلُوبُ إلى خَالِقِهَا وَبَارِئِهَا وَمُصَوِّرِهَا.

هُنَاكَ تُرْفَعُ الأَكُفُّ وَالأَيْدِي إلى مُعْطِيهَا الحَقِيقِيِّ وَالمُنْعِمِ الحَقِّ، الكُلُّ تَبَرَّأَ إلى اللهِ تعالى مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ إلى حَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، الأَقْوِيَاءُ وَالضُّعَفَاءُ، الأَغْنِيَاءُ وَالفُقَرَاءُ، السَّادَةُ وَالمَسُودُونَ، كُلٌّ مِنْهُمْ مَدَّ يَدَهُ إلى اللهِ تعالى يَلْتَمِسُهُ عَطَاهُ مِنْ غِنَاهُ، كُلٌّ مِنْهُمْ وَصَلَ حَبْلَهُ بِاللهِ تعالى مَلِكِ المُلُوكِ، وَمَالِكِ المُلُوكِ، الكُلُّ مُتَجَرِّدٌ مِنْ ثِيَابِ الشُّهْرَةِ وَالمَفْخَرَةِ، وَالكُلُّ لَبِسَ لِبَاسَاً وَاحِدَاً شَبِيهَاً بِالكَفَنِ، الكُلُّ عَرَفَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا أَنَّهَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيْسَتْ مَقَرَّاً، الكُلُّ يَتَذَكَّرُ مَوْقِفَ يَوْمِ القِيَامَةِ، يَتَذَكَرُ أَرْضَ المَحْشَرِ، الكُلُّ وَاقِفٌ أَمَامَ هَذَا الإِلَهِ العَظِيمِ القَائِلِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

حَقَّاً إِنَّهُ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ العَظِيمَةِ، يَوْمٌ يُحْيِي القُلُوبَ المَيْتَةَ، وَيُوقِظُ العُقُولَ الغَافِلَةَ، وَيُحْيِي الأَنْفُسَ التي غَفَلَتْ عَنِ اللهِ تعالى، وَانْشَغَلَتْ بِالدُّنْيَا غَيْرَ مُبَالِيَةٍ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا الأَجْرَ وَالثَّوَابَ مَعَهُمْ، وَأَنْ لَا يَحْرِمَنَا مِنْ فَيْضِ عَطَائِهِ لِأَهْلِ المَوْقِفِ الذينَ اجْتَمَعَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى اللهِ تعالى خَاشِعَةً، وَبِأَعْيُنٍ دَامِعَةً، وَبِأَنْفُسٍ ضَارِعَةً للهِ سُبْحَانَهُ وتعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، يُبَاهِي اللهُ تعالى بِأَهْلِ المَوْقِفِ الذينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، تَرَكُوا الأَهْلَ وَالوَلَدَ، وَأَنْفَقُوا الأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ، وَبَذَلُوا الجُهْدَ، وَانْطَلَقُوا بِقُلُوبِهِمْ قَبْلَ أَجْسَادِهِمْ، وَلَهَجُوا بِخَوَاطِرِهِمْ قَبْلَ أَلْسِنَتِهِمْ، وَعَاشُوا يَسْأَلُونَ اللهَ تعالى أَنْ يُوصِلَهُمْ إلى ذَاكَ المَكَانِ إلى عَرَفَاتِ اللهِ، وَيَنْتَظِرُونَ الوَقْفَةَ بِأَرْضِ عَرَفَةَ لِيَقِفُوا أَمَامَ مَوْلَاهُمْ القَائِلِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمَاً﴾.

لَقَدْ وَقَفَ حُجَّاجُ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ في هَذِهِ السَّاعَةِ المُبَارَكَةِ عَلَى أَرْضِ عَرَفَةَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى الذي خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ العَظِيمِ الذي يَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُـسِيءُ النَّهَارِ.

وَقَفُوا أَمَامَ بَابٍ عَظِيمٍ مِنْ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ، حَيْثُ يُنَادِيهِمْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.

وَقَفُوا جَمِيعَاً رِجَالَاً وَنِسَاءً، كِبَارَاً وَصِغَارَاً، أَمَامَ اللهِ تعالى مُقْبِلِينَ، تَائِبِينَ، مُسْتَغْفِرِينَ، نَادِمِينَ، مُتَضَـرِّعِينَ، بَاكِينَ.

هُنَاكَ في أَرْضِ عَرَفَةَ، وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ قُلُوبَنَا وَأَرْوَاحَنَا مَعَهُمْ، هُنَاكَ يَتَجَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ وَالعِتْقِ مِنَ النَّارِ، وَيَتَحَقَّقُ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدَاً مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

مَا هُوَ الجَوَابُ؟ مَا جَاؤُوا، وَلَا أَنْفَقُوا، وَلَا بَذَلُوا، إِلَّا ابْتِغَاءَ غَايَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَغْفِرَةُ اللهِ تعالى لِذُنُوبِهِمْ، وَلِرِضْوَانِ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ.

وَهُنَاكَ يَأْتِي الجَوَابُ: أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ.

في ذَاكَ اليَوْمِ لَا يُرَى أَحْقَرُ وَلَا أَذَلُّ وَلَا أَصْغَرُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مالك في الموطأ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ، مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ».

قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ».

خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الدُّعَاءِ، وَخَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ، روى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَسْرَفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا كَثِيرَاً، يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَيَا شَابَّاتِهَا، لَقَدْ أَسْرَفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا كَثِيرَاً، فَهَلْ مِنْ تَوْبَةٍ إلى اللهِ تعالى في هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَشْمَلَنَا بِقَوْلِهِ: قُومُوا مَغْفُورَاً لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا اليَوْمُ الأَغَرُّ هُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ، لَقَدْ طَلَبَ مِنَّا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الدُّعَاءَ، فَقَالَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

هَذَا اليَوْمُ الأَغَرُّ هُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ للهِ تعالى، الذي يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ العَبْدُ كَفَّهُ إلى اللهِ تعالى أَنْ يَرُدَّهُ خَائِبَاً، روى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرَاً خَائِبَتَيْنِ».

كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً لِمَنْ صَدَقَ في التَّوْبَةِ وَحَقَّقَ شُرُوطَهَا، فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يَوْمَ عَرَفَةَ لِيَغْفِرَ للمُسْتَغْفِرِينَ، وَلِيَرْحَمَ المُسْتَرْحِمِينَ، وَلِيَقْضِيَ حَوَائِجَ المُحْتَاجِينَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثَاً غُبْرَاً ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقَاً مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ».

وفي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثَاً غُبْرَاً ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ.

فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ، فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ.

قَالَ: يَقُولُ اللهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ».

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ عَتِيقَاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَتَأَسَّفُوا عَلَى دُنْيَا فَاتَتْ، بَلْ تَأَسَّفُوا عَلَى طَاعَاتٍ فَاتَتْ، لَا تَفْرَحُوا لِدُنْيَا أَقْبَلَتْ مَعَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، بَلِ افْرَحُوا بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ وَفَضْلِهِ عَلَيْكُمْ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: سَنَرْحَلُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا عَاجِلَاً أَمْ آجِلَاً، نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُبَدِّلَ فُرْقَةَ هَذِهِ الأُمَّةَ وَحْدَةً، وَضَعْفَهَا قُوَّةً، وَشَتَاتَهَا لُحْمَةً وَتَوَحُّدَاً.

وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَ الحُجَّاجِ وَالمُعْتَمِرِينَ حَجَّهُمْ وَعُمْرَتَهُمْ، وَيَسْتَجِيبَ دَعْوَتَهُمْ، وَيُـشْرِكَنَا في صَالِحِهَا.

وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا للصَّالِحَاتِ مِنَ الأَعْمَالِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنَّا الشُّرُورَ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا للتَّوْبَةِ وَيَتَقَبَّلَ خَالِصَ الدَّعَوَاتِ. آمين. آمين. آمين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

السبت: 9/ ذو الحجة /1440 هـ، الموافق: 10/ آب / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

04-06-2025 129 مشاهدة
149ـ احذروا من تعطيل شعيرة الأضحية

كُونُوا عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ تَعْطِيلِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ... المزيد

 04-06-2025
 
 129
24-03-2025 300 مشاهدة
148ـ كلمات في مناسبات: الدين يؤخذ بالتلقي من العلماء الربانيين

هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ يُؤْخَذُ بِالتَّلَقِّي مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ المُتَحَقِّقِينَ بِالعِلْمِ، لَقَدْ أَخَذَ الصَّحْبُ الكِرَامُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ ... المزيد

 24-03-2025
 
 300
24-03-2025 270 مشاهدة
147ـ كلمات في مناسبات: علامات العالم المتحقق بالعلم

يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ العِلْمِ المُوصِلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ ـ أَيْ: بِالعِلْمِ ـ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ المُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الكَمَالِ وَالتَّمَامِ، ... المزيد

 24-03-2025
 
 270
06-03-2025 352 مشاهدة
145ـ كلمات في مناسبات:موعظة من سيد القراء

مَوْعِظَةٌ مِنْ مَوَاعِظِ سَيِّدِ القُرَّاءِ سَيِّدِنَا أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَتَعَلَّمُوهُ لِتَتَجَّمَلُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُمْ ... المزيد

 06-03-2025
 
 352
12-02-2025 553 مشاهدة
144ـ كلمات في مناسبات :ليلة مباركة

هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ قَدْ أَقْبَلَتْ، لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةُ فَضْلٍ وَجُودٍ وَخَيْرٍ عَظِيمٍ، حَيْثُ يَتَجَلَّى اللهُ تعالى فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ بِالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ وَقَضاءِ الحَاجَاتِ، لِنَغْتَنِمْ ... المزيد

 12-02-2025
 
 553
28-08-2024 898 مشاهدة
143ـ كلمات في مناسبات وفاة العالم العامل سيدي الشيخ محمد نديم الشهابي

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. وَإِنْ كَانَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ ... المزيد

 28-08-2024
 
 898

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3234
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424599695
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :