674ـ خطبة الجمعة: أمانة الحقوق الزوجية

674ـ خطبة الجمعة: أمانة الحقوق الزوجية

674ـ خطبة الجمعة: أمانة الحقوق الزوجية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَحَاطَ الإِسْلَامُ الأُسْرَةَ بِسِيَاجِ الكَرَامَةِ، وَاعْتَبَرَ عَقْدَ الزَّوَاجِ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً، قَالَ تعالى في حَقِّهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً﴾.

يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَفْقَهَ هَذِهِ الكَلِمَةَ وَيَحْتَرِمَهَا، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَسَّدَهَا بِقَوْلِهِ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَالعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ عَلَاقَةٌ كَرِيمَةٌ، وَمِيثَاقٌ غَلِيظٌ، وَلَكِنَّ الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ لَا يَفْقَهُونَ هَذَا، فَضْلَاً عَنِ المُمَارَسَاتِ الخَاطِئَةِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.

أَمَانَةُ الحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةُ أَمَانَةٌ وَأَيُّ أَمَانَةٍ، لَقَدْ حَمَلَهَا كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ تُجَاهَ الآخَرِ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونَاً بَيْنَ يَدَيْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.

فَأَهْلُ الوَفَاءِ يَقُومُونَ بِأَدَاءِ هَذِهِ الحُقُوقِ بِكُلِّ حُبٍّ وَوَفَاءٍ، أَهْلُ الوَفَاءِ تَتَفَطَّرُ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تعالى أَنْ يُحَاسِبَهُمُ اللهُ تعالى عَلَى تِلْكَ الحُقُوقِ، فَتُغَلَّ أَعْنَاقُهُمْ عِنْدَ لِقَاءِ اللهِ تعالى.

الحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةُ كَمْ قَرَّبَتْ عِبَادَاً مِنَ اللهِ تعالى عِنْدَ أَدَائِهَا كَمَا أَمَرَ اللهُ تعالى، وَكَمْ أَبْعَدَتْ مَنْ أَضَاعَهَا مِنْ جِوَارِ اللهِ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ مِنْ رَجُلٍ ضَيَّعَ حُقُوقَ زَوْجَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ خَوْفَاً مِنَ اللهِ تعالى، لِذَلِكَ هُوَ يَفِرُّ مِنْ زَوْجَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟

وَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ ضَيَّعَتْ حَقَّ زَوْجِهَا فَخَرَجَتْ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: الحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةُ لَنْ يَلْتَزِمَهَا إِلَّا مَنْ عَرَفَ قَلْبُهُ اللهَ تعالى، وَخَشِيَ لِقَاءَهُ، الحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةُ التي أَنْزَلَهَا اللهُ تعالى في كِتَابِهِ، وَبَيَّنَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ، لَمْ تَكُنْ عَبَثَاً ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

ضَرُورَةُ التَّذْكِيرِ بِالحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا يَحْتَاجُ إلى أَنْ يُذَكِّرَ أَخَاهُ بِالحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وَجَمِيعُ النِّسَاءِ يَحْتَاجُونَ إلى أَنْ يُذَكِّرَ بَعْضُهُنَّ بَعْضَاً بِالحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ.

أَيُّهَا الرِّجَالُ: بَيَّضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهَ مَنْ حَفِظَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا قَالَ: «فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَعِنْدَمَا قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبَيَّضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهَ المَرْأَةِ التي حَفِظَتْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالقَائِلِ في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ ـ وَهُوَ يُوَجِّهُ المَرْأَةَ لِوَاجِبِهَا نَحْوَ زَوْجِهَا ـ «فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ».

وَالقَائِلِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ مَا يُكْنَزُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: في هَذَا الزَّمَانِ أَصْبَحَ المُلْتَزِمُ دِينَ اللهِ تعالى وَالمُؤَدِّي للحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ غَرِيبَاً؛ لَقَدِ اسْتَخَفَّ الكَثِيرُ مِنَ الرِّجَالِ بِحُقُوقِ النِّسَاءِ، وَاسْتَخَفَّ الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ بِحُقُوقِ الرِّجَالِ.

البَلَاءُ كُلُّ البَلَاءِ، وَالمُصِيبَةُ كُلُّ المُصِيبَةِ، أَنْ تَجِدَ الرَّجُلَ ظَالِمَاً لِزَوْجَتِهِ، وَلَا يَجِدُ لَهُ أَخَاً نَاصِحَاً يُذَكِّرُهُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَةِ.

وَالبَلَاءُ كُلُّ البَلَاءِ، وَالمُصِيبَةُ كُلُّ المُصِيبَةِ، أَنْ تَجِدَ امْرَأَةً ظَالِمَةً لِزَوْجِهَا، وَلَا تَجِدُ لَهَا أُخْتَاً تُذَكِّرُهَا بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَحُقُوقِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا.

البَلَاءُ كُلُّ البَلَاءِ، وَالمُصِيبَةُ كُلُّ المُصِيبَةِ، أَنْ يَجِدَ المُجْتَمَعُ مُدَّاحَاً وَلَا يَجِدُ نُصَّاحَاً، وَلَا يَجِدُ عَلَى الخَيْرِ أَعْوَانَاً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَنْ يَنْعَمَ بِالسَّعَادَةِ مَنْ عَاشَ خَارِجَ دَائِرَةِ الإِسْلَامِ، لَنْ يَنْعَمَ بِالسَّعَادَةِ مَنْ ضَيَّعَ حُقُوقَ زَوْجَتِهِ، وَلَنْ تَنْعَمَ بِالسَّعَادَةِ مَنْ ضَيَّعَتْ حُقُوقَ زَوْجِهَا.

يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ، يَقُولُ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَا أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ» رواه بن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 28/ محرم /1440هـ، الموافق: 27/ أيلول / 2019م

 2019-09-30
 1724
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 499 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 499
09-04-2024 536 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 536
04-04-2024 671 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 671
28-03-2024 554 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 554
21-03-2024 991 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 991
14-03-2024 1774 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1774

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412627466
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :