682ـ خطبة الجمعة: رزقنا على الله تعالى

682ـ خطبة الجمعة: رزقنا على الله تعالى

682ـ خطبة الجمعة: رزقنا على الله تعالى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ مِنْ شِيَمِ الأَفْذَاذِ الذينَ يَتَلَقَّوْنَ المَكَارِهَ بِرَحَابَةِ صَدْرٍ، وَبِقُوَّةِ إِرَادَةٍ، وَإِيمانٍ رَاسِخٍ؛ وَإِنْ لَمْ أَصْبِرْ أَنَا وَأَنْتَ فَمَاذَا نَصْنَعُ؟

هَلْ عِنْدَنَا حَلٌّ غَيْرُ الصَّبْرِ؟ هَلْ نَعْلَمُ زَادَاً غَيْرَهُ؟ يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا الصَّبْرَ. كذا في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَتَرَّسُوا بِالصَّبْرِ، وَتَدَرَّعُوا بِالثِّقَةِ بِاللهِ تعالى، صَارِعُوا المُلِمَّاتِ، وَاطْرَحُوا النَّكَبَاتِ أَرْضَاً.

دَخَلُوا عَلَى سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبَاً يَنْظُرُ إِلَيْكَ.

قَالَ: قَدْ نَظَرَ إِلَيَّ.

قَالُوا: فَمَاذَا قَالَ لَكَ؟

قَالَ: قَالَ: إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ. رواه ابن أبي شيبة.

اصْبِرُوا وَمَا صَبْرُكُمْ إِلَّا بِاللهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: اصْبِرُوا وَمَا صَبْرُكُمْ إِلَّا بِاللهِ، اصْبِرُوا صَبْرَ الوَاثِقِ بِالفَرَجِ، صَبْرَ عَالِمٍ بِحُسْنِ المَصِيرِ، صَبْرَ طَالِبٍ للأَجْرِ، صَبْرَ رَاغِبٍ في تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، اصْبِرُوا مَهْمَا ادْلَهَمَّتِ الخُطُوبُ، وَأَظْلَمَتْ أَمَامَكُمُ الدُّرُوبُ، فَإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَإِنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً، إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً.

تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ قَوْلَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. فَاللهُ مَعَنَا إِنْ كُنَّا مُتَّقِينَ، وَاللهُ مَعَنَا إِنْ كُنَّا مُحْسِنِينَ.

لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في الشَّدَائِدِ، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في لُقْمَةِ عَيْشِنَا، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في مُعَامَلَاتِنَا، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في جَمِيعِ شُؤُونِنَا، وَلْنَثِقْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.

وَلْنكُنْ مَعَ المُحْسِنِينَ، وَخَاصَّةً في أَيَّامِ الشَّدَائِدِ، لِنُحْسِنْ لِأَصْحَابِ الحَاجَاتِ، فَمَنِ اتَّقَى وَأَحْسَنَ فَاللهُ تعالى مَعَهُ، وَمَنْ كَانَ اللهُ مَعَهُ لَا يُضَامُ وَرَبِّ الأَنَامِ.

رِزْقُنَا عَلَى اللهِ تعالى:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، رِزْقُنَا عَلَى اللهِ تعالى وَلَيْسَ عَلَى العِبَادِ ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾. «نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رَوْعِي أَنَّ نفْسَاً لَنْ تَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمِ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.

كُتِبَ رِزْقُنَا وَأَجَلُنَا وَنَحْنُ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا، وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا كَانَ لَنَا فَسَيَأْتِينَا عَلَى ضَعْفِنَا رَغْمَ أُنُوفِ الجَمِيعِ، رَغْمَ أُنُوفِ الظَّلَمَةِ، رَغْمَ أُنُوفِ الذينَ يَتَلَاعَبُونَ بِأَرْزَاقِ العِبَادِ، مَا كَانَ لَكَ فَسَيَأْتِيكَ عَلَى ضَعْفِكَ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِكَ فَلَنْ تَنَالَهُ بِقُوَّتِكَ وَلَا حِيلَتِكَ.

قِيلَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ: أَمَا تَرَى غَلَاءَ الأَسْعَارِ؟

فَقَالَ: وَمَا يَغُمُّكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ إِنَّ الذي يَرْزُقُنَا في الرُّخْصِ هُوَ الذي يَرْزُقُنَا في الغَلَاءِ.

نَعَمْ. رِزْقُنَا عَلَى اللهِ تعالى، فَهُوَ الرَّزَّاقُ لَنَا في الرُّخْصِ وَفي الغَلَاءِ.

وَقِيلَ لِرَجُلٍ أَعْرَابِيٍّ: لَقَدْ أَصْبَحَ رَغِيفُ الخُبْزِ بِدِينَارٍ.

فَأَجَابَ: وَاللهِ مَا هَمَّنِي ذَلِكَ، وَلَو أَصْبَحَتْ حَبَّةُ القَمْحِ بِدِينَارٍ، أَنَا أَعْبُدُ اللهَ كَمَا أَمَرَنِي، وَهُوَ يَرْزُقُنِي كَمَا وَعَدَنِي.

وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾. وَالقَائِلُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِنَقْنَعْ بِمَا قُسِمَ لَنَا مِنْ جِسْمٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ وَمَسْكَنٍ وَمَوْهِبَةٍ، وَهَذَا الذي عَرَفْنَاهُ في كِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾. كُنْ شَاكِرَاً للهِ تعالى، لِمَا أَعْطَاكَ مِنْ قَلِيلٍ أَو كَثِيرٍ، وَاسْـتَحْضِرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. فَلَا نَأْسَ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ جَمَالٍ أَو مَالٍ أَو عِيَالٍ، القَضِيَّةُ مَحْتُومَةٌ ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ﴾.

يَا رَبِّ، رَضِّنَا بِقَضَائِكَ وَبِقَدَرِكَ، حَتَّى لَا نُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَفَرِّجْ عَنَّا مَا أَهَمَّنَا وَأَغَمَّنَا، وَمَنْ أَرَادَ بِنَا خَيْرَاً فَوَفِّقْهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَإِلَّا فَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 22/ تشرين الثاني / 2019م

 2019-11-22
 2821
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

24-04-2025 119 مشاهدة
935ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر نعمة ربانية

مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَكَاتِفَةٌ مُتَحَابَّةٌ، تَبْنِي أَفْرَادَهَا، وَتُقِيمُ مُجْتَمَعَاتِهَا عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَكِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ ... المزيد

 24-04-2025
 
 119
17-04-2025 289 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 289
10-04-2025 628 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 628
28-11-2024 4084 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 4084
22-11-2024 1522 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1522
14-11-2024 1778 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1778

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422766572
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :