163ـ إيثار الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم

163ـ إيثار الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم

163ـ إيثار الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يُعْتَبَرُ الإِيثَارُ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ التي جَاءَ بِهَا الإِسْلَامُ، فَهُوَ مَرْتَبَةٌ رَاقِيَةٌ في البَذْلِ وَالعَطَاءِ، وَلَهُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَدْ أَثْنَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذينَ تَحَلَّوا بِهَذَا الخُلُقِ، وَبَيَّنَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ مِنَ المُفْلِحِينَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

قَالَ تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. هَذَا وَصْفُ الأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، حَيْثُ كَانُوا يُقَدِّمُونَ أَصْحَابَ الحَاجَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيَبْدَأُونَ بِهِمْ قَبْلَ أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ بِحَاجَةٍ إلى ذَلِكَ.

فَالأَنْصَارُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ بِمَا يُحِبُّونَ فَقَطْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾. بَلْ كَانُوا يُنْفِقُونَ مَا عِنْدَهُمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَهَذَا الإِنْفَاقُ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ للهِ تعالى، وَأَنَّهُمْ قَدَّمُوا مَحَبَّةَ اللهِ تعالى عَلَى مَحَبَّةِ الأَمْوَالِ التي جُبِلَتْ النُّفُوسُ عَلَى قُوَّةِ التَّعَلُّقِ بِهَا، وَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُ فَقَدْ بَلَغَ الذُّرْوَةَ العُلْيَا مِنَ الكَمَالِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ وَصْفُ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ الإِيثَارَ، وَقَدْ شَهِدَ اللهُ تعالى لَهُمْ بِذَلِكَ، وَشَهِدَ لَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا (مِنَ الإِرْمَالِ وَهُوَ فَنَاءُ الزَّادِ وَقِلَّةُ الطَّعَامِ) فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

وَأَعْظَمُ شَرَفٍ للأَشْعَرِيِّينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَضَافَهُمْ إلى ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، فَهُمْ عُلَمَاءُ عَامِلُونَ كُرَمَاءُ مُؤْثِرُونَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

أَعْظَمُ الصَّدَقَةِ أَجْرَاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آلَ البَيْتِ وَالصَّحَابَةَ عَلَى الجُودِ وَالعَطَاءِ وَالإِيثَارِ، حَتَّى ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَبْحَثُ عَنِ الصَّدَقَةِ الأَعْظَمِ أَجْرَاً عِنْدَ اللهِ تعالى.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟

فَقَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ رَبَّاهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِيثَارِ قَوْلَاً وَفِعْلَاً، روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟

فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا.

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا.

فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجَاً إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، اكْسُنِيهَا.

فَقَالَ: «نَعَمْ».

فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلَاً.

فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ؛ قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.

صُوَرٌ مِنْ إِيثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَعَمْ، لَقَدْ رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ وَآلَ البَيْتِ عَلَى خُلُقِ الإِيثَارِ قَوْلَاً وَفِعْلَاً ، حَتَّى كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ قِصَصَ إِيثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ ضَرْبَاً مِنَ الخَيَالِ، لَوْلَا أَنَّهُ مَنْقُولٌ لَنَا عَنْ طَرِيقِ الأَثْبَاتِ وَبِالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ.

فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟».

فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟

قَالَتْ: لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي.

قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ.

قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ».

وفي رِوَايَةِ الإمام البخاري قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا».

فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾.

وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمَاً أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ، وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ، مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا، مَا دَعَوْتُمُ اللهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ».

وأَمَّا قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَعَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَنَا، روى الإمام البخاري عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.

قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالَاً، فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا.

قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟

فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ، ثُمَّ جَاءَ يَوْمَاً وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ»ـ هَيَ كَلِمَةٌ يَمَانِيَّةٌ مَعْنَاها مَا هَذا ـ.

قَالَ: تَزَوَّجْتُ.

قَالَ: «كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟».

قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ـ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ـ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ وَصَلَ إِيثَارُ الصَّحَابَةِ إلى حَدٍّ قَدْ لَا يَتَصَوَّرُهُ الوَاحِدُ مِنَّا وَخَاصَّةً في زَمَنِ الأَثَرَةِ، لَقَدْ وَصَلُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إلى حَدِّ إِيثَارِ أَحَدِهِمْ بِحَيَاتِهِ مِنْ أَجْلِ إِخْوَانِهِ.

روى البيهقي عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِيَ، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، أَوْ إِنَاءٍ، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يَنْشَعُ (أَيْ: يَشْهَقُ مِنَ الأَلَمِ)، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟

فَأَشَارَ: أَيْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: آهٍ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِيَ أَنِ أَنْطَلِقَ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرٍو، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَسَمِعَ آخَرَ فَقَالَ: آهٍ، فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ أَنْطَلِقَ بِهِ إِلَيْهِ، فَجئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَمِيَ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِالإِيثَارِ يَصِلُ الإِنْسَانُ إلى أَعْلَى دَرَجَةٍ في الإِيمَانِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَكْفِي العَبْدَ الذي تَحَلَّى بِصِفَةِ الإِيثَارِ أَنَّهُ اقْتَدَى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**   **   **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 8/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 5/ كانون الأول / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1395 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1395
13-02-2020 1956 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1956
23-01-2020 2589 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2589
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1328 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1328
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413021816
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :