677ـ خطبة الجمعة: كثر الطلاق اليوم

677ـ خطبة الجمعة: كثر الطلاق اليوم

677ـ خطبة الجمعة: كثر الطلاق اليوم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَمْ تَهْتَمَّ مِلَّةٌ مِنَ المِلَلِ، وَلَا تَشْرِيعٌ مِنَ التَّشْرِيعَاتِ، بَلْ وَلَا دِينٌ مِنَ الأَدْيَانِ، بِنِظَامِ الأُسْرَةِ، وَوَضْعِ مَا يُحَقِّقُ لَهَا السَّعَادَةَ وَالعَافِيَةَ، كَمَا اهْتَمَّ بِهَا الإِسْلَامُ.

لَقَدْ خَاطَبَ مُرِيدَ الزَّوَاجِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَخَاطَبَ وَلِيَّ الفَتَاةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ حُقُوقَاً وَوَاجِبَاتٍ، إِذَا الْتَزَمَا بِهَا الْتِزَامَاً تَامَّاً نَجَتْ سَفِينَةُ الأُسْرَةِ مِنَ الغَرَقِ وَمِنْ جَمِيعِ الأَهْوَالِ وَالنَّكَبَاتِ.

لَقَدْ أَمَرَ كُلَّاً مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِالمُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالمُعَامَلَةِ اللَّيِّنَةِ، وَالخِطَابِ الرَّقِيقِ، وَالاحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ، وَمُرَاعَاةِ الشُّعُورِ، وَالتَّغَاضِي عَنْ كُلِّ مَا يُعَكِّرُ صَفْوَ العَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَيُغَيِّرُ النُّفُوسَ.

بِهَذِهِ التَّعَالِيمِ السَّمْحَةِ، وَبِهَذِهِ الآدَابِ العَائِلِيَّةِ يَنْشَأُ الأَوْلَادُ أَسْوِيَاءَ النُّفُوسِ، أَصِحَّاءَ الأَبْدَانِ، لَا يُوجَدُ بَيْنَهُمْ مُنْحَرِفٌ وَلَا مُعَاقٌ، أَخْلَاقُهُمْ كَرِيمَةٌ، صُدُورُهُمْ نَقِيَّةٌ، وَأَلْسِنَتُهُمْ عَفِيفَةٌ، أَهْلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ، كَمَا يَنْشَأُونَ بَعِيدِينَ عَنِ الهُمُومِ وَالقَلَقِ، وَالخَوْفِ وَالاضْطِرَابِ، لِأَنَّهُمْ تَرَبَّوْا في بَيْتٍ قَائِمٍ عَلَى الالْتِزَامِ بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا خَلَا بَيْتُ المُسْلِمِ مِنْ هَذِهِ المَعَانِي النَّبِيلَةِ، وَالعَوَاطِفِ الرَّقِيقَةِ، وَالسَّكِينَةِ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ التي أَنْعَمَ اللهُ تعالى بِهَا عَلَى بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا البَيْتَ يَتَحَوَّلُ إلى سَاحَةِ قِتَالٍ، يَتَبَادَلُ فِيهَا الزَّوْجَانِ السِّبَابَ وَالشَّتَائِمَ وَالتُّهَمَ، وَالضَّرْبَ وَالصِّيَاحَ وَالإِهَانَةَ.

كُلُّ ذَلِكَ يَحْدُثُ وَالأَوْلَادُ يَنْظُرُونَ، تَتَقَطَّعُ أَكْبَادُهُم مِنَ الخَوْفِ، وَتُبَحُّ أَصْوَاتُهُمْ مِنَ الاسْتِغَاثَةِ؛ وَمِنْ وَسَطِ الدُّمُوعِ وَالعَبَرَاتِ يَنْظُرُونَ بِهَمٍّ وَحُزْنٍ إلى مُسْتَقْبَلٍ مُظْلِمٍ، لَا يُدْرِكُونَ مَكَانَهُمْ فِيهِ، وَكَثِيرَاً مَا يَنْتَهِي الأَمْرُ إلى كَلِمَةِ الطَّلَاقِ، التي هِيَ أَبْغَضُ الحَلَالِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَذْهَبُ كُلُّ زَوْجٍ إلى حَالِهِ وَسَبِيلِهِ، وَالأَوْلَادُ إلى أَيْنَ يَذْهَبُونَ، وَإلى مَنْ يَلْجَأُونَ؟ وَمَنْ سَيُرَتِّبُ لَهُمْ أُمُورَ الحَيَاةِ مِنْ تَعْلِيمٍ وَآدَابٍ وَتَقْوِيمِ سُلُوكٍ وَمَعِيشَةٍ؟

إِنَّهُمْ بِلَا شَكٍّ سَيَتَخَطَّفُهُمْ قُرَنَاءُ السُّوءِ، وَشَيَاطِينُ الإِنْسِ، يُعَلِّمُونَهُمْ فَنَّ السَّرِقَةِ، وَتَعَاطِيَ المُخَدِّرَاتِ، وَجَمِيعَ وَسَائِلِ الشَّرِّ وَالانْحِرَافِ.

كَثُرَ الطَّلَاقُ اليَوْمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَثُرَ الطَّلَاقُ اليَوْمَ، هَلْ تَعْلَمُونَ لِمَاذَا؟

لَقَدْ كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا فُقِدَ الزَّوْجُ الذي يَرْعَى الذِّمَمَ، وَعِنْدَمَا فُقِدَتِ الأَخْلَاقُ وَالشِّيَمُ.

لَقَدْ أَخَذَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا عَزِيزَةً كَرِيمَةً ضَاحِكَةً مَسْرُورَةً، وَرَدَّهَا بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ حَزِينَةً بَاكِيَةً مُطَلَّقَةً ذَلِيلَةً.

لَقَدْ كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا اسْتَخَفَّ الأَزْوَاجُ بِالحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، وَضَيَّعُوا الأَمَانَاتِ وَالمَسْؤُولِيَّاتِ، سَهَرٌ إلى سَاعَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ، وَضَيَاعٌ لِحُقُوقِ الزَّوْجَاتِ وَالأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، يُضْحِكُ الزَّوْجُ البَعِيدَ وَيُبْكِي القَرِيبَ، يُؤْنِسُ الزَّوْجُ الغَرِيبَ وَيُوحِشُ الحَبِيبَ.

لَقَدْ كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا كَثُرَ النَّمَّامُونَ، وَكَثُرَ الحُسَّادُ وَالوَاشُونَ.

لَقَدْ كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا فَقَدْنَا زَوْجَاً يَغْفِرُ الزَّلَّةَ وَيَسْتُرُ العَوْرَةَ وَالهَفْوَةَ، حِينَمَا فَقَدْنَا زَوْجَاً صَالِحَاً يَخَافُ اللهَ تعالى، وَيَتَّقِي اللهَ، وَيَرْعَى حُدُودَ اللهِ، وَيَحْفَظُ العُهُودَ وَالأَيَّامَ التي خَلَتْ، وَالذِّكْرَيَاتِ الجَمِيلَةَ التي مَضَتْ.

كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا فَقَدْنَا الصَّالِحَاتِ القَانِتَاتِ الحَافِظَاتِ للغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ.

كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا أَصْبَحَتِ المَرْأَةُ طَلِيقَةَ اللِّسَانِ، طَلِيقَةَ العَنَانِ، تَخْرُجُ مَتَى شَاءَتْ، وَتَدْخُلُ مَتَى أَرَادَتْ، عِنْدَمَا أَصْبَحَتْ خَرَّاجَةً وَلَّاجَةً إلى الأَسْوَاقِ، إلى اللِّقَاءَاتِ، مُضَيِّعَةً لِحُقُوقِ الأَزْوَاجِ وَالبَيْتِ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ عَظِيمَةٍ.

لَقَدْ كَثُرَ الطَّلَاقُ حِينَمَا تَدَخَّلَ الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ في شُؤُونِ الأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ في كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَجَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، فَمَا بَالُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ الذينَ يُوقِعُونَ العَدَوَاتِ وَالبَغْضَاءَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الطَّلَاقُ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ، فَيَا مَنْ يُرِيدُ الطَّلَاقَ، اصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ جَمِيلٌ، وَعَوَاقِبُهُ حَمِيدَةٌ مِنَ اللهِ العَظِيمِ الجَلِيلِ.

يَا مَنْ يُرِيدُ الطَّلَاقَ، إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُكَ سَاءَتْكَ اليَوْمَ فَقَدْ سَرَّتْكَ أَيَّامَاً، وَإِنْ كَانَتْ أَحْزَنَتْكَ هَذَا العَامَ فَقَدْ سَرَّتْكَ أَعْوَامَاً.

يَا مَنْ يُرِيدُ الطَّلَاقَ، انْظُرْ إلى عَوَاقِبِهِ الأَلِيمَةِ وَنِهَايَاتِهِ العَظِيمَةِ، انْظُرْ إلى عَوَاقِبِهِ عَلَى الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، انْظُرْ إلى عَوَاقِبِهِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ الضَّعِيفَةِ، فَكَمْ بُدِّدَ شَمْلُهَا وَتَمَزَّقَتْ قُلُوبُهَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَحْفَظَ أُسَرَنَا وَأُسَرَ المُسْلِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ صفر الخير /1441هـ، الموافق: 18/ تشرين الأول / 2019م

 2019-10-18
 1549
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

24-04-2025 119 مشاهدة
935ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر نعمة ربانية

مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَكَاتِفَةٌ مُتَحَابَّةٌ، تَبْنِي أَفْرَادَهَا، وَتُقِيمُ مُجْتَمَعَاتِهَا عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَكِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ ... المزيد

 24-04-2025
 
 119
17-04-2025 289 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 289
10-04-2025 628 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 628
28-11-2024 4084 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 4084
22-11-2024 1522 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1522
14-11-2024 1778 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1778

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422765789
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :