724ـ خطبة الجمعة: اعتبروا من حر هذه الأيام

724ـ خطبة الجمعة: اعتبروا من حر هذه الأيام

724ـ خطبة الجمعة: اعتبروا من حر هذه الأيام

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: في شِدَّةِ الحَرِّ يَقُولُ العَبْدُ المُؤْمِنُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» رواه ابن السني في عَمَلِ اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اعْتَبِرُوا مِنْ حَرِّ هَذِهِ الأَيَّامِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: في شِدَّةِ الحَرِّ يَتَوَجَّهُ النَّاسُ إلى ظِلٍّ ظَلِيلٍ، إلى ظِلٍّ وَارِفٍ، يَسْتَظِلُّونَ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، يَتَوَجَّهُونَ إلى الأَمَاكِنِ البَارِدَةِ لِيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ حَرَّ تِلْكَ الأَيَّامِ، وَهَذَا مِنْ حَقِّهِمْ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مُؤْمِنٍ أَنْ يُفَكِّرَ في شِدَّةِ الحَرِّ، هَلْ هَذَا الحَرُّ يُذَكِّرُكَ بِيَوْمِ القِيَامَةِ؟ بِذَاكَ اليَوْمِ الذي تَدْنُو فِيهِ الشَّمْسُ مِنَ الرُّؤُوسِ بِمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَخُوضُ النَّاسُ في عَرَقِهِمْ كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَخُوضُ في عَرَقِهِ في أَرْضِ المَحْشَرِ إلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ إلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ إلى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ لَجْمًا، بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» ـ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ ـ

قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا».

قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.

هَلْ شِدَّةُ الحَرِّ تُذَكِّرُنَا بِنَارِ جَهَنَّمَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ يَا تُرَى شِدَّةُ الحَرِّ تُذَكِّرُنَا، وَتُذَكِّرُ رِجَالَنَا وَنِسَاءَنَا، وَكِبَارَنَا وَصِغَارَنَا، وَحُكَّامَنَا وَمَحْكُومِينَا بِنَارِ جَهَنَّمَ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ بِجَهَنَّمَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أَمَرَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أَمَرَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ شَرَرُهَا، وَلَا يُطْفَأُ لَهَبُهَا»؟ رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلْ يَا تُرَى أَيَّامُ شِدَّةِ الحَرِّ ذَكَّرَتْنَا بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؟

هَلْ فَكَّرْنَا في أَنْ نَكُونَ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنْ كَانَ النَّاسُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا يَتَوَجَّهُونَ في شِدَّةِ الحَرِّ إلى ظِلٍّ ظَلِيلٍ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ حَيْثُ شَاءُوا، وَبِإِمْكَانِهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا هَذَا، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَتَحَرَّكُوا في أَرْضِ المَحْشَرِ كَمَا شَاءُوا، إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللهِ تعالى، وَلَنْ يَجِدُوا ظِلًّا غَيْرَ ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ.

هَلْ يَا تُرَى وَنَحْنُ نَعِيشُ هَذِهِ الأَيَّامَ التي اشْتَدَّ فِيهَا الحَرُّ فَكَّرْنَا في أَنْ نَسْعَى لِأَنْ نَكُونَ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟

فَمَنِ الذي يَكُونُ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ؟ اسْمَعُوا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

هَلُمُّوا يَا عِبَادَ اللهِ في هَذِهِ الأَيَّامِ أَيَّامِ شِدَّةِ الحَرِّ، أَنْ نَسْتَحْضِرَ حَرَّ أَرْضِ المَحْشَرِ، وَأَنْ نَسْتَحْضِرَ حَرَّ نَارِ جَهَنَّمَ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في القُرْآنِ العَظِيمِ، لَعَلَّنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الفَائِزِينَ، وَذَلِكَ بِإِقْبَالِنَا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى لَا نَكُونَ بِإِذْنِ اللهِ مِمَّنْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا ظِلٌّ زَائِلٌ وَعَرَضٌ حَائِلٌ، الحَيَاةُ الحَقِيقِيَّةُ هِيَ في يَوْمِ القِيَامَةِ، إِمَّا في جَنَّةٍ وَإِمَّا في نَارٍ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ محرم /1442هـ، الموافق: 4/أيلول / 2020م

 

 2020-09-04
 5097
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-07-2024 42 مشاهدة
919ـ خطبة الجمعة: خلق الراعي الأعظم

قَالَ اللهُ تعالى مَادِحًا حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ ... المزيد

 26-07-2024
 
 42
18-07-2024 474 مشاهدة
918ـ خطبة الجمعة: المعايير العامة في التعامل مع الآخرين

مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الإِيمَانِ أَنْ يَضَعَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ ... المزيد

 18-07-2024
 
 474
12-07-2024 359 مشاهدة
917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. ... المزيد

 12-07-2024
 
 359
30-05-2024 1860 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 1860
23-05-2024 1671 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 1671
17-05-2024 2022 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 2022

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416304877
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :