915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قُلْتُ في الخُطْبَةِ المَاضِيَةِ: صَلَاحُ الدِّينِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتَّوْثِيقِ وَالتَّطْبِيقِ، فَلْيَكُنِ الوَاحِدُ مِنَّا عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَقُولَ في الدِّينِ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَثَّقًا، حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، وَلْيَكُنْ كَذَلِكَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يُوَثِّقَ ثُمَّ لَا يُطَبِّقَ، حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ كَذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

إِصْلَاحُ الدُّنْيَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَصْلَحَ دِينَهُ، فَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ دُنْيَاهُ التي فِيهَا مَعَاشُهُ، وَلَا يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا إِلَّا بِزَرْعِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالسَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعًا.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

وَرَوى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ».

قَالُوا: بَلَى.

قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ».

وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».

وَرَوى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ».

وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ الجَارُ مُسْلِمًا، لِأَنَّ الجَارَ المُسْلِمَ لَهُ حَقَّانِ، وَالجَارَ المُسْلِمَ القَرِيبَ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَالجَارَ غَيْرَ المُسْلِمِ لَهُ حَقٌّ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ: جَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَجَارٌ لَهُ حَقُّ وَاحِدٌ؛ فَأَمَّا الجَارُ الَّذِي لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: فَالجَارُ القَرِيبُ المُسْلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الجِوَارِ، وَحَقُّ القَرَابَةِ، وَحَقُّ الإِسْلَامِ؛ وَالجَارُ الَّذِي لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الجَارُ المُسْلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الإِسْلَامِ، وَحَقُّ الجِوَارِ؛ وَالجَارُ الَّذِي لَهُ حَقُّ وَاحِدٌ: هُوَ الجَارُ الكَافِرُ لَهُ حَقُّ الجِوَارِ».

كَيْفَ يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا إِذَا كَانَ الجَارُ المُسْلِمُ لَا يَأْمَنُ جَارَهُ المُسْلِمَ، وَإِذَا كَانَ المُصَلِّي لَا يَأْمَنُ جَارَهُ المُصَلِّيَ؟

كَيْفَ يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا وَالكُلُّ يُرَوِّعُ الكُلَّ ـ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى ـ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُرَوِّعُوا المُسْلِمَ، فَإِنَّ رَوْعَةَ المُسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ» رَوَاهُ البَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

وَرُوِيَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن نَظَرَ إلى مُسْلِمٍ نَظْرَةً يُخِيفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَخَافَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ كَمَا في التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ يُرِيدُ صَلَاحَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، هَلْ أَنْتَ تُوَثِّقُ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ ثُمَّ تُطَبِّقُ؟ هَلْ أَنْتَ تُفْشِي السَّلَامَ وَالإِسْلَامَ بَيْنَ النَّاسِ؟ هَلْ أَنْتَ تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ أَمْ تُفْسِدُ؟ هَلْ جَارُكَ يَأْمَنُكَ، أَمْ أَنْتَ مِنَ المُرَوِّعِينَ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ ذو القعدة /1445هـ، الموافق: 24/ أيار / 2024م

 2024-05-23
 2612
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 3025 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 3025
22-11-2024 1082 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1082
14-11-2024 1251 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1251
04-10-2024 4846 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 4846
27-09-2024 2827 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 2827
20-09-2024 2016 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 2016

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5638
المقالات 3202
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 420838001
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :