726ـ خطبة الجمعة: قولوا لمن يفكر أنه مسحور

726ـ خطبة الجمعة: قولوا لمن يفكر أنه مسحور

726ـ خطبة الجمعة: قولوا لمن يفكر أنه مسحور

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَصْبَحَتْ بَعْضُ بُيُوتُ المُسْلِمِينَ كَرِيشَةٍ في مَهَبِّ الرِّيْحِ، لَقَدْ تَهَدَّمَتْ بَعْضُ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ، بَعْدَمَا عَاشَتْ حَيَاةَ الشَّقَاءِ، وَالكَثِيرُ مِنْهُمْ مَنْ عَزَا هَذَا الأَمْرَ إلى مَسْأَلَةِ السِّحْرِ، وَذَهَبَ الكَثِيرُ مِنْهُم إلى السَّحَرَةِ وَالدَّجَّالِينَ وَالعَرَّافِينَ وَالمُشَعْوِذِينَ وَخَاصَّةً النِّسَاءَ، ذَهَبَ المَالُ، وَعَاشُوا في قَلَقٍ وَشَقَاءٍ وَلَمْ يَصِلُوا إلى نَتِيجَةٍ، وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾. وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

نَعَمْ بُيُوتُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ في ضَنْكٍ وَشَقَاءٍ وَفِتْنَةٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ الإِعْرَاضِ عَنْ شَرْعِ اللهِ تعالى سُلُوكًا وَعَمَلًا.

مُنْكَرَاتُ البُيُوتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا لِنَنْظُرَ إلى وَاقِعِ كَثِيرٍ مِنْ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ، حَيْثُ انْتَشَـرَ فِيهَا الكَثِيرُ مِنَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ.

أولًا: انْتِشَارُ الاخْتِلَاطِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَدُخُولُ غَيْرِ المَحَارِمِ عَلَى النِّسَاءِ، مَعَ تَحْذِيرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، روى الشيخان عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟

قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ».

مَاذَا يَحْدُثُ في بُيُوتِنَا بَعْدَ هَذَا التَّحْذِيرِ؟

تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرِ المَحَارِمِ؟ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى البَنَاتِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرِ المَحَارِمِ؟ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى الأَخَوَاتِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرِ المَحَارِمِ؟

هَلْ نَسِينَا أَمْ تَنَاسَيْنَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾؟ هَذَا في حَقِّ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، في حَقِّ نِسَاءِ الصَّحَابَةِ العَفِيفَاتِ الطَّاهِرَاتِ، فَكَيْفَ في عَصْرِنَا هَذَا، حَيْثُ انْتَشَـرَتِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، وَكَثُرَ الفِسْقُ وَالفُجُورُ وَالخِيَانَاتُ؟

مَاذَا تَتَوَقَّعُونَ بَعْدَ تَحْذِيرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ تعالى؟ إِنَّهَا حَيَاةُ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ وَالفِتْنَةِ، وَلَيْسَ السِّحْرُ هُوَ السَّبَبَ كَمَا يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.

ثانيًا: انْتِشَارُ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ وَالنِّت وَالمَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ التي دَمَّرَتِ البُيُوتَ، وَأَفْسَدَتِ الأَخْلَاقَ، وَنَشَرَتِ الفَسَادَ، وَضَيَّعَتِ القِيَمَ، وَجَرَّتْ إلى الرَّذِيلَةِ وَالخِيَانَاتِ.

هَذِهِ المَوَاقِعُ أَفْسَدَتِ العَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةَ، وَأَفْسَدَتِ الكَثِيرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، وَأَفْسَدَتِ الزَّوْجَاتِ عَلَى الأَزْوَاجِ، وَالأَزْوَاجَ عَلَى الزَّوْجَاتِ، ثُمَّ بَعْدَ كُلِّ هَذَا أَيُعْزَى الأَمْرُ إلى السِّحْرِ؟ لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ، إِنَّهَا المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ.

ثالثًا: انْتِشَارُ أَكْلِ الحَرَامِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، عَنْ طَرِيقِ الغِشِّ وَالخِدَاعِ، وَالـسَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ وَالرِّشْوَةِ، وَخِيَانَةِ الأَمَانَةِ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ أَكْلَ الحَرَامِ يُفْسِدُ العَمَلَ، وَيَجُرُّ العَبْدَ إلى المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ التي تَجْعَلُ حَيَاةَ الأُسْرَةِ ضَنْكًا وَشَقَاءً، ثُمَّ نَعْزُو بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الشَّقَاءَ وَالضَّنْكَ إلى السِّحْرِ، لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ. رواه الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رابعًا: أَمَّا عَنْ سُفُورِ النِّسَاءِ وَتَبَرُّجِهِنَّ وَتَطَيُّبِهِنَّ وَتَفْلِيجِ الأَسْنَانِ، وَالثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ، حَيْثُ تَكُونُ كَاسِيَةً عَارِيَةً، مَعَ الخُضُوعِ بِالقَوْلِ حَدِّثْ بِدُونِ حَرَجٍ، وَكُلُّ هَذَا مِنَ الكَبَائِرِ، ثُمَّ نَعْزُو بَعْدَ ذَلِكَ حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ بِسَبَبِ الكَبَائِرِ إلى السِّحْرِ، لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ يُفَكِّرُ بِأَنَّهُ مَسْحُورٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قَبْلَ أَنْ تُفَكِّرَ في أَنَّكَ مَسْحُورٌ، فَكِّرْ هَلْ أَنْتَ مُلْتَزِمٌ شَرْعَ اللهِ تعالى الذي ضَمِنَ لَكَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ فَكِّرْ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. وَفي قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ وَوَعْدُ اللهِ تعالى لَا يُخْلَفُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ صفر /1442هـ، الموافق: 18/أيلول / 2020م

 2020-09-17
 3313
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 68 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 68
25-06-2025 406 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 406
19-06-2025 785 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 785
12-06-2025 947 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 947
04-06-2025 392 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 392
04-06-2025 301 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 301

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424675395
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :