697ـ خطبة الجمعة: الأمن والأمان هبة من الله تعالى

697ـ خطبة الجمعة: الأمن والأمان هبة من الله تعالى

697ـ خطبة الجمعة: الأمن والأمان هبة من الله تعالى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: في ظِلِّ نِعْمَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ تَحْلُو العِبَادَةُ، وَيُصْبِحُ النَّوْمُ سُبَاتاً وَاللَّيْلُ لِبَاساً، وَيُصْبِحُ النَّهَارُ مَعَاشاً، وَيَصِيرُ الطَّعَامُ هَنِيئاً، وَالشَّرَابُ مَرِيئاً.

نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ هِبَةٌ مِنَ اللهِ تعالى لِعِبَادِهِ، وَنِعْمَةٌ يُغْبَطُ عَلَيْهَا كُلُّ مَنْ وُهِبَهَا؛ وَلَا عَجَبَ في ذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافىً فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ.

لَو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ـ وَحَاشَاهَا ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَجْلِ اسْتِتْبَابِ الأَمْنِ في المُجْتَمَعِ جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الغَرَّاءُ بِالعُقُوبَاتِ الصَّارِمَةِ، وَالحُدُودِ القَاطِعَةِ في حَقِّ مَنْ يُشَوِّشُ عَلَى النَّاسِ أَمْنَهُمْ، وَيُعَكِّرُ صَفْوَهُمْ، وَيُشْغِلُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُ الهَمَّ وَالغَمَّ وَالكَرْبَ وَالحُزْنَ إلى نُفُوسِهِمْ.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ غَضِبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَضَباً شَدِيداً عَلَى مَنْ شَفَعَ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تعالى، روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ».

ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

تَرْوِيعُ النَّاسِ جَرِيمَةٌ كُبْرَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اعْتَبَرَ الإِسْلَامُ نِعْمَةَ الأَمْنِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى النَّاسِ، لِهَذَا اهْتَمَّ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا غَايَةَ الاهْتِمَامِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ كُلِّ مَا يُخِلُّ بِنِعْمَةِ الأَمْنِ، مَهْمَا كَانَ الأَمْرُ صَغِيراً.

روى البيهقي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَوَّعَ مُؤْمِناً لَمْ يُؤَمِّنِ اللهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً».

وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً».

وروى البَزَّارُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلاً أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَرَوَّعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَوْعَةَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ مِنْ أَجَلِّ وَأَعْظَمِ النِّعَمِ، وَكَانَ هَذَا مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا أَخْبَرَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ نِعْمَةٌ مَا عَرَفَ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ حُرِمَهَا، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا مِنَ الضَّيَاعِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ التي تُزِيلُ نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ الكُفْرُ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى، حَيْثُ تُسْتَخْدَمُ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

فَلْنَحْذَرِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ التي تُزِيلُ نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 11/ رجب /1441هـ، الموافق: 6/ آذار / 2020م

 2020-03-06
 6469
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-07-2024 52 مشاهدة
919ـ خطبة الجمعة: خلق الراعي الأعظم

قَالَ اللهُ تعالى مَادِحًا حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ ... المزيد

 26-07-2024
 
 52
18-07-2024 484 مشاهدة
918ـ خطبة الجمعة: المعايير العامة في التعامل مع الآخرين

مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الإِيمَانِ أَنْ يَضَعَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ ... المزيد

 18-07-2024
 
 484
12-07-2024 359 مشاهدة
917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. ... المزيد

 12-07-2024
 
 359
30-05-2024 1863 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 1863
23-05-2024 1675 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 1675
17-05-2024 2025 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 2025

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416311764
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :