733ـ خطبة الجمعة: من شكر النعمة العفو عمن أساء

733ـ خطبة الجمعة: من شكر النعمة العفو عمن أساء

733ـ خطبة الجمعة: من شكر النعمة العفو عمن أساء

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَتُنَا وَأُسْوَتُنَا في الأَخْلَاقِ، وَلَقَدِ امْتَدَحَهُ اللهُ تعالى بِكَمَالِ أَخْلَاقِهِ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تعالى لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الخَلْقِ أَخْلَاقَاً، وَأَحْسَنَهُمْ أَدَبَاً، حَيْثُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَحَلِّيَاً بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، كَمَا قَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواه الإمام أحمد.

بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ عَمِلَ بِأَخْلَاقِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَتَمَثَّلَ آدَابَ القُرْآنِ، لِأَنَّ القُرْآنَ مَا نَزَلَ إِلَّا لِيَعْمَلَ بِهِ الخَلْقُ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّاسِ عَمَلَاً بِهِ، وَامْتِثَالَاً لِأَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ الأَخْلَاقِ التي دَعَا إِلَيْهَا القُرْآنُ العَظِيمُ، قَوْلُهُ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾. فَيَا صَاحِبَ النِّعْمَةِ، يَا مَنْ وَهَبَكَ اللهُ تعالى نِعْمَةً وَمَيَّزَكَ عَلَى غَيْرِكَ، اشْكُرِ اللهَ تعالى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَمِنْ شُكْرِهَا العَفْوُ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، أَو نَالَكَ بِسُوءٍ.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ إِذْ يَقُولُ:

لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ   ***   أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ

إِنِّي أُحَـيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ   ***   لِأَدْفَعَ الـشَّرَّ عَنِّي بِـالـتَّـحِـيَّاتِ

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا كَيْفَ يَكُونُ الأَخْذُ بِالعَفْوِ، روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ (جَذَبَهُ) بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ، مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

أَيْنَ أَدْعِيَاءُ الحِلْمِ وَالأَخْلَاقِ وَالعَفْوِ وَالسَّمَاحَةِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

الأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ هِيَ السَّبِيلُ الوَحِيدُ للتَّخَلُّصِ مِنَ العَدَاوَاتِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ، وَالتي مِنْ جُمْلَتِهَا العَفْوُ وَالسَّمَاحَةُ، هِيَ السَّبِيلُ الوَحِيدُ للتَّخَلُّصِ مِنَ العَدَاوَاتِ، وَهَذَا مَا أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ مَوْلَانَا في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

ادْفَعُوا الإِسَاءَةَ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ، قَابِلُوا الإسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ صَارَ الذينَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ حَمِيمُونَ، وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ أَسَرَ القُلُوبَ بِحِلْمِهِ وَعَفْوِهِ وَسَمَاحَتِهِ، وَذَلِكَ بِابْتِسَامَتِهِ مَعَ هَذَا الأَعْرَابِيِّ، ثُمَّ بِإِعْطَائِهِ المَالَ، وَإِظْهَارِ رِضَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مَا وَجَدَ في نَفْسِهِ شَيْئَاً، حَتَّى أَنَّهُ مَا عَبَسَ في وَجْهِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: خَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ بَطِيءَ الغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ كَانَ سَرِيعَ الغَضَبِ بَطِيءَ الرِّضَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 6/تشرين الثاني / 2020م

 2020-11-06
 4879
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 91 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 91
25-06-2025 429 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 429
19-06-2025 804 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 804
12-06-2025 958 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 958
04-06-2025 396 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 396
04-06-2025 308 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 308

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424692701
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :