736ـ خطبة الجمعة: هلا فكرت بما طلب منك؟

736ـ خطبة الجمعة: هلا فكرت بما طلب منك؟

736ـ خطبة الجمعة: هلا فكرت بما طلب منك؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ نَعِيشُ أَيَّامًا كَثُرَتْ فِيهَا الغَفْلَةُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَثُرَ فِيهَا الاشْتِغَالُ بِالآخَرِينَ، وَنَسِينَا أَنْفُسَنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

نَعِيشُ أَيَّامًا أَصْبَحَ فِيهَا شُغْلُنَا الشَّاغِلُ لُقْمَةَ العَيْشِ وَطَلَبَ الرِّزْقِ، وَنِسِينَا أَو تَنَاسَيْنَا أَنَّ لُقْمَةَ العَيْشِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، لَقَدْ شُغِلْنَا بِمَا ضُمِنَ لَنَا، وَتَشَاغَلْنَا عَمَّا طُلِبَ مِنَّا، وَرَحِمَ اللهُ تعالى ابْنَ عَطَاءٍ إِذْ يَقُولُ: اجْتِهَادُكَ فِيمَا ضَمِنَ لَكَ وَتَقْصِيرُكَ فِيمَا طَلَبَ مِنْكَ دَلِيلٌ عَلَى انْطِمَاسِ البَصِيرَةِ مِنْكَ.

يَا مَنْ شُغِلَ بِمَا ضُمِنَ لَهُ، وَفَرَّطَ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ: كُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ رِزْقَكَ يَطْلُبُكَ كَمَا يَطْلُبُكَ أَجَلُكَ، روى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ».

وروى البيهقي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَهَرَبِهِ مِنَ الْمَوْتِ، لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ.

فَيَا مَنْ شُغِلَ بِمَا ضُمِنَ لَهُ، وَفَرَّطَ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ: كُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ رِزْقَكَ وَاصِلٌ إِلَيْكَ، فَمَا كَانَ لَكَ سَيَأْتِيكَ عَلَى ضَعْفِكَ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِكَ فَلَنْ تَنَالَهُ بِقُوَّتِكَ «رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَلَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، وَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حُرِّمَ» رواه الحاكم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلَّا فَكَّرْتَ بِمَا طُلِبَ مِنْكَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِمَا طُلِبَ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ خَالِقِهِ جَلَّ جَلَالُهُ؟

هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾؟

هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؟

هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾؟

هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَيْقَنَ أَنَّ الرِّزْقَ بِيَدِ اللهِ تعالى، وَأَنَّهُ آتِيهِ لَا مَحَالَةَ تَفَرَّغَ لِأَدَاءِ المُهِمَّةِ التي خَلَقَهُ اللهُ تعالى مِنْ أَجْلِهَا ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللهَ تعالى قَسَّمَ الأَرْزَاقَ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَجَعَلَ بَيْنَهَا تَفَاوُتًا لِحِكْمَةٍ ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾. وَلَو أَعْطَى اللهُ تعالى الخَلْقَ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ لَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى البَغْيِ وَالعُدْوَانِ وَالطُّغْيَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.

وَفي الخِتَامِ أَقُولُ لِنَفْسِي وَلِكُلِّ مَنْ شَغَلَهُ هَمُّ الرِّزْقِ وَلُقْمَةِ العَيْشِ عَمَّا كُلِّفَ بِهِ: اعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ خَيْرٌ لَنَا وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ نَاصَبَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَنِي وَلِيِّي الْمُؤْمِنُ الْغِنَى فَأَصْرِفُهُ مِنَ الْغِنَى إِلَى الْفَقْرِ، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى الْغِنَى لَكَانَ شَرًّا لَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَنِي وَلِيِّي الْمُؤْمِنُ الْفَقْرَ فَأَصْرِفُهُ إِلَى الْغِنَى، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى الْفَقْرِ لَكَانَ شَرًّا لَهُ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعُلُوِّي وَبَهَائِي وَجَمَالِي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَى نَفْسِهِ إِلَّا أَثْبَتُّ أَجَلَهُ عِنْدَ بَصَرِهِ، وَضَمِنَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ رِزْقَهُ، وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ الْمَاءَ» رواه الحاكم عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِنَلْزَمِ الاسْتِغْفَارَ لَعَلَّ اللهَ تعالى يُفَرِّجُ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» رواه أبو داود وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِأَنْ نَسْأَلَكَ مَا أَنْتَ طَالِبُهُ مِنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/ ربيع الثاني /1442هـ، الموافق: 27/تشرين الثاني / 2020م

 2020-11-27
 10629
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 142 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 142
25-06-2025 454 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 454
19-06-2025 822 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 822
12-06-2025 984 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 984
04-06-2025 403 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 403
04-06-2025 315 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 315

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424724556
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :