768ـ خطبة الجمعة: المهر في الزواج وسيلة

768ـ خطبة الجمعة: المهر في الزواج وسيلة

768ـ خطبة الجمعة: المهر في الزواج وسيلة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الزَّوَاجُ ضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ لِبِنَاءِ الحَيَاةِ، وَتَكْوِينِ الأُسَرِ وَالبُيُوتَاتِ، وَضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الحَيَاةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ اسْتِقَامَةِ الحَالِ، وَهُدُوءِ البَالِ، وَرَاحَةِ الضَّمِيرِ، وَطَهَارَةِ المُجْتَمَعِ البَشَرِيِ مِنَ الفَوَاحِشِ.

الزَّوَاجُ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ، حَثَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ السَّكَنَ مُحَقَّقًا، كَمَا أَنَّهُ حِصْنٌ وَوِقَايَةٌ، يُخَفِّفُ الهَمَّ، وَيُذْهِبُ الغَمَّ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الدَّالَّةِ عَلَى حِكْمَتِهِ، وَالدَّاعِيَةِ إلى التَّفَكُّرِ في عَظِيمِ خَلْقِهِ، وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

المَهْرُ في الزَّوَاجِ وَسِيلَةٌ لَا غَايَةٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ تَحَوَّلَ أَمْرُ الزَّوَاجِ مِنْ كَوْنِهِ قَضِيَّةً شَرْعِيَّةً وَضَرُورَةً بَشَرِيَّةً، إلى مُشْكِلَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ خَطِيرَةٍ، مِنْ حَيْثُ مَا أُحْدِثَ فِيهِ مِمَّا لَا يَمُتُّ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ، وَلَا يَرْتَبِطُ بِهِ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا، لَقَدْ كَثُرَ الحَدِيثُ عَنْ مُشْكِلَاتِ الزَّوَاجِ وَبُحَّتْ حَنَاجِرُ الغَيُورِينَ عَلَى مُجْتَمَعِهِمْ مِنَ التَّحْذِيرِ مِمَّا يُصَاحِبُ كَثِيرًا مِنَ الزِّيجَاتِ منَ المَشَاكِلِ وَالتَّعْقِيدَاتِ، نَاهِيكُمْ عَنِ الطُّقُوسِ وَالشَّكْلِيَّاتِ، وَالتَّفَاخُرِ وَالمُبَاهَاةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المُشْكِلَاتِ المُسْتَعْصِيَةِ، مُشْكِلَةَ غَلَاءِ المُهُورِ، وَالمُبَالَغَةَ في الصَّدَاقِ، حَتَّى صَارَ الزَّوَاجُ عِنْدَ الشَّبَابِ مِنَ الأُمُورِ الشَّاقَّةِ وَالمُسْتَحِيلَةِ، وَيُؤْسِفُ كُلَّ غَيُورٍ أَنْ يَصِلَ الجَشَعُ بِبَعْضِ الأَوْلِيَاءِ أَنْ يَطْلُبَ مَهْرًا بَاهِظًا مِنْ أُنَاسٍ يَعْلَمُ اللهُ بِحَالِهِمْ، وَلَو جَلَسُوا شَطْرَ حَيَاتِهِمْ في جَمْعِهِ لَمَا اسْتَطَاعُوا، فَيَا سُبْحَانَ اللهِ! أَإِلَى هَذَا الحَدِّ وَصَلْنَا؟!

لَقَدْ أَصْبَحَتِ المَرْأَةُ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سِلْعَةٌ للبَيْعِ وَالمُزَايَدَةِ، وَهِيَ أَكْرَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ حَتَّى غَدَتْ كَثِيرَاتٌ مُخَدَّرَاتٍ في البُيُوتِ، حَبِيسَاتٍ في المَنَازِلِ، بِسَبَبِ المُغَالَاةِ في المُهُورِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: المَهْرُ في الزَّوَاجِ وَسِيلَةٌ لَا غَايَةٌ، وَالمُغَالَاةُ فِيهِ لَهُ آثَارٌ سَلْبِيَّةٌ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ، لَا تَخْفَى عَلَى العُقَلَاءِ، مِنْ تَعْطِيلٍ للزَّوَاجِ، أَو الزَّوَاجِ مِنْ مُجْتَمَعاتٍ مُخَالِفَةٍ للمُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ، مِمَّا لَهُ عَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ، فَرُبَّ لَذَّةِ سَاعَةٍ تَعْقِبُهَا حَسَرَاتٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ.

يَقُولُ فَارُوقُ الأُمَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلا لَا تُغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، أَلا لَا تُغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ، كَانَ أَوْلاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُبْتَلَى. رواه الإمام أحمد.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ زَوَّجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِمَا مَعَهُ مِنَ القُرْآنِ، روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ».

فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا.

قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْبًا».

قَالَ: لَا أَجِدُ.

قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ».

فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟».

قَالَ: كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: المُغَالَاةُ في المُهُورِ مِنْ أَخْطَرِ المَشَاكِلِ المُسْتَعْصِيَةِ في حَيَاةِ شَبَابِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، فَارْحَمُوا الشَّبَابَ وَالشَّابَّاتِ قَبْلَ أَنْ تَفْنَى زَهْرَةُ شَبَابِهِمْ، وَوَاللهِ لَوْلَا حَياءُ البَنَاتِ لَصَرَخْنَ في وُجُوهِ آبَائِهِنَّ، وَقُلْنَ: ارْحَمُوا ضَعْفَنَا، وَاسْتُرُوا عَوْرَاتِنَا، وَزَوِّجُونَا مِنَ الشَّابِّ المُسْلِمِ وَلَو كَانَ فَقِيرًا، مَا دَامَ صَاحِبَ دِينٍ وَخُلُقٍ، زَوِّجُونَا لِنَكُونَ عَوْنًا لِبَعْضِنَا عَلَى أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.

يَا أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ، يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَاعْلَمُوا، وَاسْمَعُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا» رواه الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَخَاصَّةً أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ الغِنَى وَاليَسَارِ، كُونُوا قُدْوَةً صَالِحَةً في عَدَمِ المُغَالَاةِ في المُهُورِ.

اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحبُّ وَتَرْضَى. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 22/ ذو القعدة /1442هـ، الموافق: 2/تموز / 2021م

 2021-07-02
 1783
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 68 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 68
25-06-2025 406 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 406
19-06-2025 785 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 785
12-06-2025 947 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 947
04-06-2025 392 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 392
04-06-2025 301 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 301

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424675028
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :