126ـ المعجزات في الهجرة

126ـ المعجزات في الهجرة

126ـ المعجزات في الهجرة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ مِنْ ذِكْرَى هِجْرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، أَنَّ العَبْدَ الصَّالِحَ يَدْعُو إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَقْوَالِهِ وَفِعَالِهِ وَسَمْتِهِ وَهَيْئَتِهِ، وَهَذَا الأَمْرُ نَسْتَفِيدُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

روى الإمام الحاكم في المستدرك عَنْ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ خُوَيْلِدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟».

قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ.

قَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟».

قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا؟».

قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا.

فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ، فَاجْتَرَّتْ فَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطُ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا وَشَرِبَ آخِرَهُمْ حَتَّى أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ الثَّانِيَةَ عَلَى هَدَّةٍ حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ بَايَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ لِيَسُوقَ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ أَعْجَبَهُ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَالشَّاءُ عَازِبٌ حَائِلٌ، وَلَا حلوبَ فِي الْبَيْتِ؟

قَالَتْ: لَا واللهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا.

لَقَدْ دَعَاهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَالِهِ وَبِسَمْتِهِ، وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ قَدْ تَكُونُ أَبْلَغَ مِنَ الدَّعْوَةِ بِالقَوْلِ، وَصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سَأَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟

قَالَ: «مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ» رواه أبو يعلى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَصْفُ أُمِّ مَعْبَدٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا سَمِعَ أَبُو مَعْبَدٍ مِنْ زَوْجَتِهِ أُمِّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا مَا حَدَثَ مَعَهَا، قَالَ لَهَا: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.

فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ ـ مُشْرِقُ الوَجْهِ مُضِيئُهُ ـ حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ ـ ضَخَامَةُ بَطْنٍ ـ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ ـ صِغَرُ الرَّأْسِ ـ وَسِيمٌ قَسِيمٌ ـ من الحُسْنِ ـ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ـ شِدَّةُ سَوَادِ العَيْنِ في شِدَّةِ بَيَاضِهَا ـ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ ـ أي: في شَعْرِ أَجْفَانِهِ طُولٌ ـ وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ ـ لَيْسَ حَادَّ الصَّوْتِ ـ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ـ أي: اِرْتِفَاعٌ وطُولٌ ـ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ أَقْرَنُ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، إذَا صَمَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ عَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ ـ وَسَطٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ ولا كَثِيرٍ ـ كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ، لَا تُقْحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، وَلَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرَاً، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرَاً، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ ـ مَخْدُومٌ ـ مَحْشُودٌ ـ مَحْفُوفٌ ـ لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ ـ لا يُرَدُّ على كَلامِهِ لِحِكْمَتِهِ وكَمَالِ قُوَّتِهِ ـ.

فَقَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: واللهِ هَذَا صَاحِبُ قُرَيْشٍ الذِي ذَكَرُوا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذَكَرُوا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبُهُ وَلَأَفْعَلَنَّ إنْ وَجَدْتُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلَاً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَفِيدَهُ مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُجُوبُ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، وَذَلِكَ بِحُسْنِ الأَخْلَاقِ، مَهْمَا كَانَتِ الظُّرُوفُ، لَقَدْ عَرَفْنَا أَخْلَاقَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُهَاجِرٌ، كَمَا وَصَفَتْهُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

لَا شَيْءَ أَعْظَمُ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى مِنَ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَلَو كَانَ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَأَقْسَاهَا، لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلى اللهِ تعالى تَتَطَابَقُ أَقْوَالُهُ مَعَ أَفْعَالِهِ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، في حَالِ ضَعْفِهِ وَفي حَالِ قُوَّتِهِ، في جَلْوَتِهِ وَخَلْوَتِهِ، في حَلِّهِ وَتَرْحَالِهِ.

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا الأَخْلَاقَ الحَسَنَةَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 3/ محرم /1443هـ، الموافق: 11/ آب / 2021م

 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

04-06-2025 131 مشاهدة
149ـ احذروا من تعطيل شعيرة الأضحية

كُونُوا عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ تَعْطِيلِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ... المزيد

 04-06-2025
 
 131
24-03-2025 301 مشاهدة
148ـ كلمات في مناسبات: الدين يؤخذ بالتلقي من العلماء الربانيين

هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ يُؤْخَذُ بِالتَّلَقِّي مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ المُتَحَقِّقِينَ بِالعِلْمِ، لَقَدْ أَخَذَ الصَّحْبُ الكِرَامُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ ... المزيد

 24-03-2025
 
 301
24-03-2025 273 مشاهدة
147ـ كلمات في مناسبات: علامات العالم المتحقق بالعلم

يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ العِلْمِ المُوصِلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ ـ أَيْ: بِالعِلْمِ ـ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ المُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الكَمَالِ وَالتَّمَامِ، ... المزيد

 24-03-2025
 
 273
06-03-2025 355 مشاهدة
145ـ كلمات في مناسبات:موعظة من سيد القراء

مَوْعِظَةٌ مِنْ مَوَاعِظِ سَيِّدِ القُرَّاءِ سَيِّدِنَا أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَتَعَلَّمُوهُ لِتَتَجَّمَلُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُمْ ... المزيد

 06-03-2025
 
 355
12-02-2025 559 مشاهدة
144ـ كلمات في مناسبات :ليلة مباركة

هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ قَدْ أَقْبَلَتْ، لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةُ فَضْلٍ وَجُودٍ وَخَيْرٍ عَظِيمٍ، حَيْثُ يَتَجَلَّى اللهُ تعالى فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ بِالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ وَقَضاءِ الحَاجَاتِ، لِنَغْتَنِمْ ... المزيد

 12-02-2025
 
 559
28-08-2024 903 مشاهدة
143ـ كلمات في مناسبات وفاة العالم العامل سيدي الشيخ محمد نديم الشهابي

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. وَإِنْ كَانَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ ... المزيد

 28-08-2024
 
 903

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424668858
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :