792ـ خطبة الجمعة: سبب اختلال العشرة الزوجية

792ـ خطبة الجمعة: سبب اختلال العشرة الزوجية

792ـ خطبة الجمعة: سبب اختلال العشرة الزوجية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كَلِمَةٌ مِنَ الكَلِمَاتِ تَكُونُ مِعْوَلًا هَدَّامًا يُهْدَمُ بِهِ صَرْحُ أُسَرٍ وَبُيُوتَاتِ، كَلِمَةٌ تَنْقُلُ صَاحِبَهَا مِنْ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ إلى مِحْنَةٍ وَشَقَاءٍ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ كَمْ أَبْكَتْ عُيُونًا، وَأَجْهَشَتْ صُدُورًا، وَرَوَّعَتْ أَفْئِدَةً، كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ في حَجْمِهَا لَكِنَّهَا جَلِيلَةُ الخَطْبِ، كَمْ تَرْتَعِدُ الفَرَائِصُ بِوَقْعِهَا، وَتَقْلِبُ الفَرَحَ تَرَحًا، وَالبَسْمَةَ غُصَّةً، إِنَّهَا كَلِمَةُ الطَّلَاقِ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الطَّلَاقُ، كَلِمَةٌ تَعْنِي الفِرَاقَ وَالوَدَاعَ، تَعْنِي تَهْدِيمَ بَيْتٍ وَأُسْرَةٍ مِنَ الأُسَرِ، كَلِمَةٌ تَجْعَلُ الأَوْلَادَ في حُكْمِ اليَتَامَى، كَلِمَةٌ بِسَبَبِهَا تَتَقَطَّعُ أَوَاصِرُ الأَرْحَامِ وَالمُحِبِّينَ.

إِنَّهَا سَاعَةٌ رَهِيبَةٌ، وَلَحْظَةٌ أَسِيفَةٌ سَاعَةَ تَسْمَعُ المَرْأَةُ طَلَاقَهَا، سَاعَةَ تُكَفْكِفُ المَرْأَةُ دُمُوعَهَا، وَتَجِفُّ بِسَبَبِهَا مَآقِيهَا، وَيَغَصُّ حُلْقُومُهَا، وَتُوَدِّعُ بِهَا عُشَّ الزَّوْجِيَّةِ.

سَبَبُ اخْتِلَالِ العِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الأَصْلُ في العِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ السَّكَنُ وَالمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. العِشْرَةُ الزَّوْجِيَّةُ تَنْمُو وَتَزْدَادُ بِسِرِّ الشُّكْرِ للهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

إِذَا اقْتَرَفَ الزَّوْجَانِ ـ أَو أَحَدُهُمَا ـ المَعْصِيَةَ، وَأَصَرَّا عَلَيْهَا اخْتَلَّتِ العِشْرَةُ الزَّوْجِيَّةُ، وَزَكَتْ وَنَمَتْ نَارُ الفُرْقَةِ، وَكَثُرَ الخِصَامُ، وَاشْتَدَّتِ المَشَاكِلُ، لِأَنَّهُمَا عَرَّضَا النِّعْمَةَ نِعْمَةَ السَّكَنِ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ للزَّوَالِ بِسَبَبِ المَعَاصِي، مَعَ العِلْمَ أَنَّ الجَمِيعَ يَعْلَمُ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ: «أَحْسِنُوا جِوَارَ نِعَمِ اللهِ، لَا تُنَفِّرُوهَا، فَقَلَّمَا زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ» رواه أبو يعلى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَعَلَى رَأْسِ هَذِهِ المَعَاصِي التي هَدَمَتِ البُيُوتَ، وَأَبْكَتِ العُيُونَ، وَيَتَّمَتِ الأَبْنَاءَ، مَعَ وُجُودِ الأَبَوَيْنِ في الحَيَاةِ، الأَفْلَامُ الإِبَاحِيَّةُ وَالصُّوَرُ الخَلَاعِيَّةُ.

مَتَى سَيَتَنَبَّهُ الزَّوْجَانِ لِذَلِكَ؟ هَذَا فَضْلًا عَمَّا يَنْتَظِرُهُمَا في الآخِرَةِ إِذَا مَاتَا عَلَى هَذِهِ المَعْصِيَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَجْسَادُنَا لَا تَقْوَى عَلَى النَّارِ، وَمَلَكُ المَوْتِ تَخَطَّانَا فَأَخَذَ غَيْرَنَا، وَسَوْفَ يَأْتِي يَوْمٌ يَتَخَطَّى غَيْرَنَا لِيَأْخُذَنَا، فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ، الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَدَارَكُوا أَنْفُسَكُمْ بِحُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى قَبْلَ أَنْ تَتَهَدَّمَ البُيُوتُ بِوِزْرِ المَعَاصِي، وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ عَنِ اللهِ تعالى، فَرَبُّكُمْ يُخَاطِبُكُمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

فَتُوبُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَتَدَارَكُوا بُيُوتَكُمْ وَأُسَرَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ الحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ قُلُوبَكُمْ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 10/ كانون الأول / 2021م

 2021-12-10
 2561
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 157 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 157
25-06-2025 472 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 472
19-06-2025 837 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 837
12-06-2025 995 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 995
04-06-2025 408 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 408
04-06-2025 321 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 321

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424746226
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :