754ـ خطبة الجمعة: الجنة حرمت على النمام من أجل سلامتنا
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: ما زِلْنَا في شَهْرِ شَعْبَانَ الذي تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى رَفْعًا خَاصًّا، فَلْنَتَّقِ اللهَ في أَنْفُسِنَا، وَلْنَتَجَنَّبْ إِلْقَاءَهَا في تَيَّارِ النَّمِيمَةِ تِلْكَ الخَصْلَةُ القَبِيحَةُ ذَاتُ الخَطَرِ العَظِيمِ، التي تُؤَثِّرُ عَلَى العَلَاقَاتِ الأَخَوِيَّةِ، وَالرَّوَابِطِ الاجْتِمَاعِيَّةِ.
النَّمِيمَةُ مَا فَشَتْ في مُجْتمَعٍ إِلَّا وَفَرَّقَتْ كَلِمَتَهُ، وَبَاعَدَتْ بَيْنَ قُلُوبِ أَهْلِهِ، وَجَعَلَتِ المُجْتَمَعَ مُتَحَاقِدًا مُتَبَاغِضًا مُتَدَابِرًا مُتَقَاطِعًا، وَأَرْسَتْ قَوَاعِدَ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ بَيْنَ الأَحِبَّةِ.
فَيَا أَصْحَابَ النُّفُوسِ العَالِيَةِ، ارْبَؤُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنِ النَّمِيمَةِ، وَهِيَ نَقْلُ الكَلَامِ الذي يُفْسِدُ العَلَاقَاتِ، فَالنَّمِيمَةُ مِنْ أَحَطِّ الأَخْلَاقِ وَأَرْذَلِهَا، فَمَا اتَّصَفَ بِهَا إِلَّا لَئِيمٌ يَهْتِكُ الأَسْتَارَ، وَيَنْشُرُ الأَسْرَارَ.
دَعُوهَا بِاللهِ عَلَيْكُمْ، فَكَمْ خَرَّبَتْ بُيُوتًا عَامِرَةً، وَفَرَّقَتْ أُسَرًا مُجْتَمِعَةً، وَأَزْهَقَتْ أَرْوَاحًا بَرِيئَةً، وَيَتَمَّتْ أَطْفَالًا، وَطَلَّقَتْ نِسَاءً.
النَّمَّامُ فَاسِقٌ لَئِيمٌ:
يَا عِبَادَ اللهِ: النَّمَّامُ إِنْسَانٌ فَاسِقٌ لَئِيمٌ أَثِيمٌ، مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾. فَهُوَ فَاسِقٌ بِنَصِّ القُرْآنِ وَأَثِيمٌ كَذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾.
يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ مَنْ نَمَّ لَكُمْ نَمَّ عَلَيْكُمْ، فَهُوَ لَا يَرْعَى فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، وَالنَّمَّامُ خَائِنٌ وَلَو كَانَ صَادِقًا، مُسْتَهِينٌ بِما حَذَّرَ مِنْهُ القُرآنُ الكَرِيْمُ وَالسُنَّةُ الُمطَهَّرَةُ ، يَسْمَعُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُبَالِي، يَسْمَعُ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رواه الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ المَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَكْرَهَهُمْ لَهُ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَتَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ».
ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ».
قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا، فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
يَسْمَعُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَلَا يُبَالِي.
كُنْ كَسَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
يَا أَخِي الكَرِيمُ، إِنْ جَاءَكَ نَمَّامٌ، فَكُنْ كَسَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْئَاً.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا في أَمْرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾. وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾. وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْنَا عَنْكَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: العَفْوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدَاً.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: شَرْعُنَا الحَنِيفُ جَاءَ لِسَلَامَةِ العَلَاقَةِ بَيْنَنَا، لِنَكُونَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَالنَّمَّامُ يُرِيدُ عَكْسَ ذَلِكَ مِنَّا، اللهُ تعالى حَرَّمَ الجَنَّةَ عَلَى النَّمَّامِ مِنْ أَجْلِنَا، فَهَلْ مِن المَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنَّا وَمَحْبُوبًا إلى قُلُوبِنَا؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 19/ شعبان /1442هـ، الموافق: 2/نيسان / 2021م
لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد
لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد
لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد
بِالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَتَزْدَادُ نُورًا يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ فِي النَّاسِ طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إِلَى المَوْتِ، وَيُصْبِحُ ... المزيد