755ـ خطبة الجمعة: التقوى والاستقامة تجلبان البركة

755ـ خطبة الجمعة: التقوى والاستقامة تجلبان البركة

755ـ خطبة الجمعة: التقوى والاستقامة تجلبان البركة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لِنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ الذُّنُوبَ وَالمَعَاصِيَ تَضُرُّ في الحَالِ وَالمَآلِ، وَضَرَرُهَا في القَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ في الأَبْدَانِ، وَمَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ شَرٌّ وَلَا دَاءٌ إِلَّا وَسَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي.

بِسَبَبِ المَعَاصِي أُخْرِجَ إِبْلِيسُ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأُغْرِقَ قَوْمُ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَسُلِّطَتِ الرِّيحُ العَقِيمُ عَلَى قَوْمِ عَادٍ، وَأُرْسِلَتِ الصَّيْحَةُ عَلَى قَوْمِ ثَمُودَ، وَرُفِعَتْ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ حَتَّى سَمِعَ المَلَائِكَةُ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ.

الذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي مَا حَلَّتْ في دِيَارٍ إِلَّا أَهْلَكَتْهَا، ولَا في قُلُوبٍ إِلَّا أَعْمَتْهَا، وَلَا في أَجْسَادٍ إِلَّا عَذَّبَتْهَا، وَلَا في أُمَّةٍ إِلَّا أَذَلَّتْهَا، وَلَا في نُفُوسٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهَا.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ.

وَهَا نَحْنُ يَا عِبَادَ اللهِ: نَعِيشُ حَيَاةً مِلْؤُهَا التَّعَبُ وَالنَّصَبُ، وَالغَلَاءُ وَالبَلَاءُ وَالوَبَاءُ، وَصَدَقَ فِينَا قَوْلُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. وَصَدَقَ فِينَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. وَصَدَقَ فِينَا قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾. وَصَدَقَ فِينَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

التَّقْوَى وَالاسْتِقَامَةُ تَجْلِبَانِ البَرَكَةَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَتِ الذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي تَمْحَقُ بَرَكَةَ العُمُرِ وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَتَجْلِبُ الدَّمَارَ للعِبَادِ وَالبِلَادِ، فَكَذَلِكَ الاسْتِقَامَةُ تَجْلِبُ البَرَكَةَ وَالخَيْرَ وَالإِحْسَانَ وَالعَافِيَةَ للعِبَادِ وَالبِلَادِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾. وَقَالَ اللهُ تعالى عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ نُوَدِّعُ شَهْرَ شَعْبَانَ، وَنَسْتَقْبِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَهَلْ بِوُسْعِنَا أَنْ نَتُوبَ إلى اللهِ تعالى الذي يُنَادِينَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَيُخَاطِبُنَا بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؟

هَلْ بِوُسْعِنَا أَنْ نَتُوبَ قَبْلَ أَنْ نَقَعَ في سَكَرَاتِ المَوْتِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾؟

هَلْ بِوُسْعِنَا أَنْ نَتُوبَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الرُّوحُ في الغَرْغَرَةِ، روى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».

يَا آكِلَ أَمْوَالِ النَّاسِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، هَلُمَّ إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ.

يَا ظَالِمَ العِبَادِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ، هَلُمَّ إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ.

يَا مَنْ عَاثَ في الأَرْضِ فَسَادًا بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الفَسَادِ، هَلُمَّ إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ.

يَا مَنْ أَفْسَدَ الشَّبَابَ وَالشَّابَّاتِ، هَلُمَّ إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ.

يَا مَنْ عَصى رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ، هَلُمَّ إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ، حَتَّى لَا تَنْدَمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصِدْقِ التَّوْبَةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ شعبان /1442هـ، الموافق: 9/نيسان / 2021م

 2021-04-08
 5205
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 140 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 140
12-04-2024 766 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 766
09-04-2024 599 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 599
04-04-2024 706 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 706
28-03-2024 607 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 607
21-03-2024 1073 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1073

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413170774
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :