763ـ خطبة الجمعة: نصائح للطلاب أيام امتحاناتهم

763ـ خطبة الجمعة: نصائح للطلاب أيام امتحاناتهم

763ـ خطبة الجمعة: نصائح للطلاب أيام امتحاناتهم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: في هَذَا الأُسْبُوعِ سَيَخُوضُ أَبْنَاءُ المُسْلِمِينَ وَبَنَاتُهُمْ غِمَارَ الامْتِحَانَاتِ، وَفي هذِهِ المُنَاسَبَةِ تَجِدُ القُلُوبَ وَجِلَةً، وَالأَذْهَانَ قَلِقَةً، وَالبُيُوتَ أَعْلَنَتْ حَالَةَ الطَّوَارِئِ؛ الأَبُ في تَوَتُّرٍ، وَالأُمُّ عَلَى مَضَضٍ، وَالكُلُّ يَرْجُو للطُّلَّابِ النَّجَاحَ وَالتَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ؛ الكُلُّ يَدْعُو اللهَ تعالى لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ وَالتَّثْبِيتِ، الأَبُ وَالأُمُّ يَعِدَانِ الطَّالِبَ وَيُمَنِّيَانِهِ إِنْ نَجَحَ، وَيَتَوَعَّدَانِهِ وُيُحَذِّرَانِهِ وَيُهَدِّدَانِهِ إِنْ رَسَبَ.

الكُلُّ يَتَوَجَّهُ إلى العُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ طَالِبِينَ الدُّعَاءَ للطُّلَّابِ بِالتَّوْفِيقِ وَالنَّجَاحِ، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا فُطِرَ عَلَيْهِ البَشَرُ، فَلَا حَرَجَ فِيهِ أَبَدًا.

يَا عِبَادَ اللهِ: مِمَّا فُطِرَ عَلَيْهِ الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ الحِرْصُ عَلَى الوَلَدِ، وَخَاصَّةً أَيَّامَ الامْتِحَانَاتِ، كُلَّ يَوْمٍ يُسْأَلُ الطَّالِبُ عَنِ امْتِحَانِهِ، كَيْفَ قَدَّمَ؟ كَيْفَ أَجَابَ، وَالكُلُّ يَرْجُو أَنْ تَكُونَ الإِجَابَةُ صَحِيحَةً.

مَعَ العِلْمِ أَنَّ الجَمِيعَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوَفَّقِ الطَّالِبُ في امْتِحَانِهِ، بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُعِيدَ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، أَو يَتَوَجَّهَ لِعَمَلٍ آخَرَ غَيْرِ الدِّرَاسَةِ لِتَأْمِينِ مُسْتَقْبَلِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا.

وَلَكِنْ يَا أَيُّهَا الأَبُ الحَنُونُ، وَيَا أَيَّتُهَا الأُمُّ الحَنُونُ، هَلِ اهْتَمَّ كُلٌّ مِنْكُمَا بِآخِرَةِ وَلَدِهِ، هُوَ مِنْ أَيِّ الفرِيقَيْنِ؟

هَلْ سَيَقُولُ: وَاطَرَبَاهُ غَدًا أَلْقَى الأَحِبَّةَ، سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؟ أَمْ سَيَقُولُ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾؟

يَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ: هَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَرِيصٌ عَلَى نَجَاحِ وَلَدِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، بِحَيْثُ يَقِفُ في أَرْضِ المَحْشَرِ قَائِلًا: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾؟

وَمَا عَسَاكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا إِنْ كَانَ وَلَدُكُمْ مِنَ الرَّاسِبِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ يُنَادِي وَيَصْرُخُ في أَرْضِ المَحْشَرِ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾؟ مَا أَغْنَى عَنِّي شَيْءٌ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، وَمَا أَغْنَى عَنِّي سُلْطَانِيَهْ، وَمَا أَغْنَتْ عَنِّي شَهَادَاتِي؛ كُلُّ ذَلِكَ هَلَكَ وَانْدَثَرَ ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾.

يَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، حِرْصُكُمْ عَلَى نَجَاحِ أَبْنَائِكُمْ في الدُّنْيَا مَطْلُوبٌ مِنْكُمْ شَرْعًا، وَلَكِنِ اعْلَمُوا أَنَّهُ كَذَلِكَ مَطْلُوبٌ مِنْكُمْ شَرْعًا أَنْ تُنْقِذُوهُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

نَصَائِحُ للطُّلَّابِ أَيَّامَ امْتِحَانَاتِهِمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنِّي أَتَوَجَّهُ إلى جَمِيعِ الطُّلَّابِ الذينَ سَيَخُوضُونَ الامْتِحَانَاتِ فَأَقُولُ لَهُمْ:

أولًا: عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ عَلَّمَهُ اللهُ تعالى، وَذَكَّرَهُ بِمَا حَفِظَ ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾. بِتَقْوَاكُمْ للهِ تعالى يُخْرِجُكُمُ اللهُ تعالى مِنْ كُلِّ هَمٍّ وَغَمٍّ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ مِنْ كُلِّ نِسْيَانٍ.

ثانيًا: عَلَيْكُمْ بِغَضِّ البَصَرِ عَمَّا حَرَمَّ اللهُ تعالى النَّظَرَ إِلَيْهِ، وَتَذَكَّرُوا كَلَامَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى إِذْ يَقُولُ:

شَكَوْتُ إلى وَكيعٍ سُوءَ حِفْظِي   ***   فَأَرْشَدَنِي إِلى تَرْكِ المَعاصِي

وَأَخْـبَـرَنِي بِأَنَّ الـعِـلْـــمَ نُورٌ    ***   وَنُـورُ اللهِ لَا يُهْدَى لِعَاصِي

ثالثًا: احْذَرُوا الغِشَّ في امْتِحَانَاتِكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِأَنَّ مَنْ يُحَقِّقُ نَجَاحَهُ بِالغِشِّ إِنْسَانٌ فَاشِلٌ، مُتَنَاقِضٌ مَعَ نَفْسِهِ، يَعْرِفُ نَفْسَهُ أَنَّهُ مَخَادِعٌ، وَيَكُونُ فَاشِلًا إِذَا عَمِل بِشَهَادَتِهِ، وَيَكُونُ كَسْبُهُ مِنْ حَرَامٍ، وَمَنْ بَنَى حَيَاتَهُ عَلَى الغِشِّ سَلَبَهُ اللهُ تعالى خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ نَجَحَ مِنْكُمْ بِالزُّورِ وَالغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ لَنْ يُوَفَّقَ في حَيَاتِهِ، وَسَيَخْسَرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ، أَكْثِرُوا مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَ تَوَجُّهِكُمْ للامْتِحَانَاتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَهْمَ النَّبِيِّينَ، وَحِفْظَ المُرْسَلِينَ، وَإِلْهَامَ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، بِجَاهِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ. آمين.

وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، كُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى سَلَامَةِ أَبْنَائِكُمْ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَاهْتَمُّوا بِآخِرَتِهِمْ، كَمَا تَهْتَمُّونَ بِدُنْيَاهُمْ، وَأَطْعِمُوهُمْ لُقْمَةَ الحَلَالِ، بِذَلِكَ تَضْمَنُوا سَعَادَتَهُمْ دُنْيَا وَأُخْرَى.

اللَّهُمَّ وَفِّقِ الطُّلَّابَ في امْتِحَانَاتِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ شوال /1442هـ، الموافق: 28/أيار / 2021م

 2021-05-27
 7462
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-07-2024 51 مشاهدة
919ـ خطبة الجمعة: خلق الراعي الأعظم

قَالَ اللهُ تعالى مَادِحًا حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ ... المزيد

 26-07-2024
 
 51
18-07-2024 480 مشاهدة
918ـ خطبة الجمعة: المعايير العامة في التعامل مع الآخرين

مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الإِيمَانِ أَنْ يَضَعَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ ... المزيد

 18-07-2024
 
 480
12-07-2024 359 مشاهدة
917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. ... المزيد

 12-07-2024
 
 359
30-05-2024 1863 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 1863
23-05-2024 1675 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 1675
17-05-2024 2025 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 2025

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416311553
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :