799ـ خطبة الجمعة: يا من أعطاكم الزينة، وابتلاكم بالفتنة

799ـ خطبة الجمعة: يا من أعطاكم الزينة، وابتلاكم بالفتنة

799ـ خطبة الجمعة: يا من أعطاكم الزينة، وابتلاكم بالفتنة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَعْطَاكُمُ اللهُ تعالى الزِّينَةَ ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وَيَا مَنِ ابْتَلَاكُمُ اللهُ تعالى بِالفِتْنَةِ ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ وَخَصَّكُمْ بِالوَصِيَّةِ ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وَحَذَّرَكُمْ مِنَ العَدَاوَةِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ اتَّقُوا اللهَ في أَبْنَائِكُمْ فَهُمْ فِلْذَاتُ أَكْبَادِكُمْ، وَمَنْشَأُ أَحْلَامِكُمْ، وَامْتِدَادُ أَنْسَابِكُمْ، اتَّقُوا اللهَ فِيهِمْ، وَرَبُّوهُمْ عَلَى حُبِّ اللهِ تعالى وَحُبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَبُّوهُمْ عَلَى تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى الفَضَائِلِ وَكَرَائِمِ الأَخْلَاقِ، رَبُّوهُمْ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تعالى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَذِّرُوهُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَأَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الفِرَارِ مِنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تَرْبِيَتِهِمُ التَّرْبِيَةَ الصَّحِيحَةَ السَّلِيمَةَ وَفْقَ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، لَا تَكُونُوا مُتَنَاقِضِينَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ وَكُلِّ مُرَبٍّ فِينَا، أَنْ لَا يَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ مَعَ فِعْلِهِ، لِأَنَّ التَّنَاقُضَ بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ مِنْ صِفَاتِ الفَاشِلِينَ، مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ، وَلَوْ نَظَرْنَا في سِيرَةِ المُرَبِّي الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَوَجَدْنَا التَّطَابُقَ بَيْنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ الذي لَا يُجَارَى.

يَا عِبَادَ اللهِ: المُرَبِّي اليَوْمَ إِنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ أَو مِنَ النِّسَاءِ، أَو مِنْ كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّةٍ، نَجِدُهُ مُتَنَاقِضًا بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ـ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللهُ تعالى ـ فَرَبُّنا عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَنَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

وَبِقَوْلِهِ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

أَيْنَ عَقْلُ المُرَبِّي الذي تَنَاقَضَتْ أَقْوَالُهُ مَعَ أَفْعَالِهِ، وَالمُرَبَّى يَسْمَعُ القَوْلَ وَيَنْظُرُ إلى أَفْعَالِ المُرَبِّي مُتَنَاقِضَةً.

وَالِدٌ يَقُولُ لِوَلَدِهِ: إِيَّاكَ وَالتَّدْخِينَ، وَهُوَ مُدَخِّنٌ، وَرُبَّمَا تَكُونُ الدَّخِينَةُ في يَدِهِ وَبَيْنَ شَفَتَيْهِ، فَأَيُّ تَأْثِيرٍ وَأَيَّةُ اسْتِجَابَةٍ سَيَلْقَاهَا مِنَ الوَلَدِ.

وَالِدٌ يَقُولُ لِوَلَدِهِ: إِيَّاكَ وَالكَذِبَ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الكَذَّابِينَ في البَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَو في أَيِّ مَوْقِفٍ يَرَاهُ الوَلَدُ مِنْ وَالِدِهِ، فَأَيُّ تَأْثِيرٍ وَأَيَّةُ اسْتِجَابَةٍ سَيَلْقَاهَا مِنَ الوَلَدِ.

الزَّوْجُ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: تَكُونِينَ طَالِقَةً بِالثَّلَاثَةِ إِنْ شَرِبْتِ الدُّخَانَ أَو الأَرْكِيلَةَ، وَتَرَاهُ بَعْدَ بُرْهَةٍ يَأْمُرُهَا بِتَحْضِيرِ الأَرْكِيلَةِ لَهُ، أَو بِجَلْبِ عُلْبَةِ الدُّخَانِ لَهُ !! لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟

أُمٌّ تُحَذِّرُ ابْنَتَهَا مِنَ النَّظَرِ إلى الأَفْلَامِ الإِبَاحِيَّةِ وَالصُّوَرِ الخَلَاعِيَّةِ، وَرُبَّمَا هِيَ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ تَغُوصُ في تِلْكَ المُخَالَفَاتِ.

أُمٌّ تُحَذِّرُ ابْنَتَهَا مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ وَالقَصِيرَةِ وَالرَّقِيقَةِ، وَهِيَ لَابِسَةٌ تِلْكَ المَلابِسَ الفَاضِحَةَ، فَأَيُّ تَأْثِيرٍ وَأَيَّةُ اسْتِجَابَةٍ سَتَلْقَاهَا مِنْ تِلْكَ الفَتَاةِ.

أَيُّهَا الأَبُ، أَيَّتُهَا الأُمُّ، أَنْتُمَا قُدْوَةٌ، وَأَنْتُمَا أُسْوَةٌ، فَكُونَا عَلَى حَذَرٍ، وَكُونَا مُتَيَقِّظَينِ لِكُلِّ حَرَكَةٍ وَلِكُلِّ فِعْلٍ أَو قَوْلٍ يَصْدُرُ عَنْكُمَا، فَأَنْتُمَا مُرَاقَبَانِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: عَارٌ عَلَى المُرَبِّي أَنْ تَتَنَاقَضَ أَقْوَالُهُ مَعَ أَفْعَالِهِ؛ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُرَبِّي الأَعْظَمُ، بَلَّغَنَا رِسَالَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَلَغَّنَا القُرْآنَ العَظِيمَ؛ وَجَاءَتْ سِيرَتُهُ العَطِرَةُ مَطَابِقَةً للقُرْآنِ العَظِيمِ.

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ أَبًا مُرَبِّيًا نَاجِحًا، وَأَرَادَتِ المَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ أُمًّا مُرَبِّيَةً نَاجِحَةً، فَلْتَتَطَابَقْ أَقْوَالُكُمَا مَعَ أَفْعَالِكُمَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَمُوذَجًا صَالِحًا بِسُلُوكِهِ أَمَامَ أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ، حَتَّى نَرْبَحَ أَبْنَاءَنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِلَّا فَلَا تَسْتَغْرِبُوا العُقُوقَ الذي تَفَشَّى في الأُسَرِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرُدَّنَا إلى دِينِهِ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ جمادى الآخرة /1443هـ، الموافق: 28/ كانون الثاني / 2022م

 2022-01-28
 3712
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

25-06-2025 308 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 308
19-06-2025 725 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 725
12-06-2025 931 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 931
04-06-2025 383 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 383
04-06-2025 284 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 284
29-05-2025 904 مشاهدة
940ـ خطبة الجمعة: ما أحوج الأمة إلى الالتزام بهذا الحديث

بِالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَتَزْدَادُ نُورًا يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ فِي النَّاسِ طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إِلَى المَوْتِ، وَيُصْبِحُ ... المزيد

 29-05-2025
 
 904

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3234
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424628117
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :