199ـ ها هي أيام التجارة الرابحة

199ـ ها هي أيام التجارة الرابحة

كلمة شهر رمضان المبارك 1444

199ـ ها هي أيام التجارة الرابحة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُهِلَّ عَلَيْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ شَهْرَ صُلْحٍ مَعَ اللهِ تعالى، وَشَهْرَ عَوْدَةٍ إلى رِحَابِهِ جَلَّ وَعَلَا.

فَيَا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنِ اللهِ تعالى، وَطَالَ إِعْرَاضُهُ عَنْهُ تَبَارَكَ وتعالى، قَدْ أَقْبَلَتْ أَيَّامُ المُصَالَحَةِ مَعَ اللهِ تعالى، إِذْ هُوَ يُنَادِينَا مِنْ قُدْسِهِ الأَعْلَى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

وَيُنَادِينَا بِأَقْدَسِ وَصْفٍ لَنَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وَيَا مَنْ دَامَتْ خَسَارَتُهُ، فَبَاعَ الدِّينَ بِالدُّنْيَا، وَضَيَّعَ أَنْفَاسَ عُمُرِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هَا هِيَ أَيَّامُ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ لَمْ يَرْبَحْ في شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، فَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَرْبَحُ؟ إِذَا لَمْ يَرْبَحْ فِي شَهْرٍ غُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ؛ فَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَرْبَحُ؟ وَمَنْ لَمْ يَتَقَرَّبْ في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ إلى اللهِ تعالى حَيْثُ صُفِّدَتِ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَتَقَرَّبُ؟

يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقْبِل:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً للآخِرَةِ، وَمَيْدَانًا للتَّنَافُسِ، وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى عَلَيْنَا أَنَّهُ يَجْزِي عَلَى القَلِيلِ بِالكَثِيرِ، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَاتِ، وَيَجْعَلُ لِعِبَادِهِ مَوَاسِمَ تَعْظُمُ فِيهَا هَذِهِ المُضَاعَفَةُ، فَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَ الشُّهُورَ وَالأَيَّامَ وَالسَّاعَاتِ، وَتَقَرَّبَ فِيهَا إلى مَوْلَاهُ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ وَظَائِفِ الطَّاعَاتِ، عَسَى أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ مِنْ تِلْكَ النَّفَحَاتِ فَيَسْعَدَ بِهَا سَعَادَةً يَأْمَنُ بَعْدَهَا مِنَ النَّارِ وَحَرِّهَا وَلَفَحَاتِهَا.

السَّعِيدُ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلَبَّاهُ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.

رَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

قُلْتُ وَالنَّاسُ يَرْقُبُونَ هِلَالًا   ***   يُشْبِهُ الخَيْطَ مِنْ نَحَافَةِ جِسْمِهْ

مَنْ يَكُنْ صَائِمًا فَذَا رَمَضَانُ   ***   خَطَّ بِالنُّورِ للوَرَى أَوَّلَ اسْمِهْ

(يَعْنِي أَنَّ الهِلَالَ يُشْبِهُ حَرْفَ الرَّاءِ)

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

رَمَــضَانُ يَـا خَــيْرَ الـشُّهُورِ تَـحِيَّـةً    ***   تُـفْضِي عَلَيْكَ مِنَ الجَلَالِ جَلَالَا

خُذْهَا يَفُوحُ عَبِيرُها مِــنْ مُــــؤمِـنٍ   ***   يَـــبْغِي لَكَ التَّعْظِيمَ وَالإِجْلَالَا

رَمَضَانُ عُــدْتَ وَهَذِهِ أَوْطَـــانُنَـــا   ***   عَـــمَّ الفَسَادُ بِهَا وَزَادَ وَطَــــالَا

ضَــاعَــتْ مَــقَايِيسُ الفَضِيلَةِ بَـيْنَنَا   ***   وَتَــبَـــدَّلَتْ أَحْـــوَالُنَا أَوْحَالَا

اللهُ أَكْــبَــرُ إِنَّ عَـيْــنِي قَــــدْ رَأَتْ    ***   نُورًا بِآفَاقِ الــــــسَّمَا يَــــتَلَالَا

فَــلَعَلَّهُ فَـــجْـرُ الــعَقِيدَةِ قَـــد بَـدَا   ***   يُحيِي النُّفُوسَ وَيَــبْعَـثُ الآمَالَا

وَيُمِيطٌ عَنْ هَذِي القُلُوبِ قِــــنَاعَهَا    ***   فَتَعُودُ تُرْسِلُ نُـــــورَهَا أَرْسَالَا

وَتَرُوحُ بِالإِسْلَامِ تَكْسِرُ قَــــيْدَهَـــا   ***   وَتَفُكُّ عَنْ أَعْــــنَاقِهَا الأَغْلَالَا

وَتَـــرُدُّ للـــدُّنْيَا عَـــــدَالَةَ أَحْـمَـدٍ   ***   وَتُعِيدُ للإِسْلَامِ تِـــــلْكَ الحَالَا

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: للهِ الحَمْدُ أَنَّ المُؤْمِنِينَ يَفْرَحُونَ بِقُدُومِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيَسْتَبْشِرُونَ وَيَحْمَدُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ بَلَّغَهُمْ إِيَّاهُ، وَيَعْقِدُونَ العَزْمَ عَلَى تَعْمِيرِهِ بِالطَّاعَاتِ، وَزِيَادَةِ الحَسَنَاتِ، وَهَجْرِ السَّيِّئَاتِ، وَأُولَئِكَ يُبَشَّرُونَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

إِنَّ مَحَبَّةَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالاسْتِبْشَارَ بِهَا فَرْعٌ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.

هَنِيئًا لِمَنْ حَنَّ قَلْبُهُ لِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَابَدَ لَيْلَهُ بِالقِيَامِ وَالتَّهَجُّدِ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاهُ جَلَّ وَعَلَا، لِيَتَحَقَّقَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.

وَأَخِيرًا أَقُولُ للأُمَّةِ جَمْعَاءَ حَدِيثَ المُصْطَفَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْضُرُوا الْمِنْبَرَ».

فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: «آمِينَ» فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: «آمِينَ» فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: «آمِينَ».

فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ.

قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْتُ: آمِينَ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ حَقَّ الصِّيَامِ، وَلِقِيَامِهِ حَقَّ القِيَامِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/رمضان /1444هـ، الموافق: 23/ آذار / 2023م

 2023-03-23
 971
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

24-06-2025 139 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 139
27-05-2025 203 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 203
30-04-2025 234 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 234
06-04-2025 365 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 365
04-03-2025 413 مشاهدة
223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 04-03-2025
 
 413
08-01-2025 1023 مشاهدة
221ـ نموذجان من المسلمين اليوم

الإِنْسَانُ خُلِقَ لِلْجَنَّةِ، وَالجَنَّةُ خُلِقَتْ لَهُ، وَالجَنَّةُ هِيَ سِلْعَةٌ، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَثَمَنُهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؟ ثَمَنُ الجَنَّةِ هُوَ العِبَادَةُ للهِ تعالى، وَالإِسْلَامُ عَقَائِدُ ... المزيد

 08-01-2025
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424798598
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :