223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

كلمة شهر رمضان 1446

223ـ اعتبروا الناس بأعمالهم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

يَقُولُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَتَعَلَّمُوهُ لِتَتَجَّمَلُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُمْ زَمَانٌ أَنْ يُتَجَمَّلَ بِالعِلْمِ كَمَا يَتَجَمَّلُ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ. كَذَا فِي جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ.

وَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ النَّاسَ أَحْسَنُوا القَولَ كَلَّهُمْ، فَمَنْ وَافَقَ قَولُهُ فِعْلَهُ فَذَلكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ، وَمَنْ خَالَفَ قَولُهُ فِعْلَهُ فَإِنَّمَا يُوَبِّخُ نَفْسَهُ. كَذَا فِي جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ.

وَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم، وَدَعُوا أَقْوَالَهُم، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَدَعْ قَولًا إِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلًا مِنْ عَمَلٍ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ، فَإِذَا سَمِعْتَ قَوْلًا حَسَنًا فَرُوَيْدًا بِصَاحِبِهِ، فَإِنْ وَافَقَ قَولُهُ عَمَلَهُ فَنِعْمَ وَنِعْمَتْ عَيْنٌ. كَذَا فِي جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِيَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَولَهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتَاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. وَقَولَهُ تَعَالَى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

أَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ كَمَالَ شَخْصِيَّةِ الدَّاعِي أَنْ تَتَوَافَقَ أَقْوَالُهُ مَعَ أَفْعَالِهِ، لِأَنَّ ذَاكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي قُلُوبِ الآخَرِينَ، وَمَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤَثِّرًا فِي الصَّحْبِ الكِرَامِ إِلَّا لِتَطَابُقِ أَقْوَالِهِ مَعَ أَفْعَالِهِ.

رَوَى البَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَابْنَ عَبَّاسٍ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.

قَالَ: أَوَ بَلَغْتَ؟

قَالَ: أَرْجُو.

قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ تُفْتَضَحَ بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَافْعَلْ.

قَالَ: وَمَا هُنَّ؟

قَالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَحْكَمْتَ هَذِهِ الْآيَةَ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَالْحَرْفُ الثَّانِي؟

قَالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَأَحْكَمْتَ هَذِهِ الْآيَةَ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَالْحَرْفُ الثَّالِثُ؟

قَالَ: قَوْلُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ أَحْكَمْتَ هَذِهِ الْآيَةَ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ.

وَلَكِنْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا الكَلَامُ لَا يُفِيدُ أَنْ يَتْرُكَ الإِنْسَانُ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ؛ فَهَذَا سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاس، إِنِّي أَعِظُكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَلَا أَصْلَحِكُمْ، وَإِنِّي لَكَثِيرُ الإِسْرَافِ عَلَى نَفْسِي، غَيْرُ مُحَكِّمٍ لَهَا، وَلَا حَامِلُهَا عَلَى الوَاجِبِ فِي طَاعَةِ رَبِّهَا، وَلَوْ كَانَ المُؤْمِنُ لَا يَعِظُ أَخَاهُ إِلَّا بَعْدَ إِحْكَامِ أَمْرِ نَفْسِهِ لَعُدِمَ الوَاعِظُونَ، وَقَلَّ المُذَكِّرُونَ، وَلَمَا وُجِدَ مَنْ يَدْعُو إِلَى اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَيَرْغَبُ فِي طَاعَتِهِ وَيَنْهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَلَكِنْ فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِ البَصَائِرِ وَمُذَاكَرَةِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَيَاةٌ لِقُلُوبِ المُتَّقِينَ، وَأَذْكَارٌ مِنَ الغَفْلَةِ، وَأَمْنٌ مِنَ النِّسْيَانِ، فَالْزَمُوا عَافَاكُمُ اللهُ مَجْلِسَ الذِّكْرِ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ مَسْمُوعَةٌ، وَمُحْتَقَرٍ نَافِعٌ. اهـ. الزُّهْدُ لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ.

وَيَقُولُ الإِمَامُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى نَاقِلًا قَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ ضَرَرًا وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ يُؤْجَرُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مُطَاعًا، وَأَمَّا إِثْمُهُ الْخَاصُّ بِهِ فَقَدْ يَغْفِرُهُ اللهُ لَهُ وَقَدْ يُؤَاخِذُهُ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ إِلَّا مَنْ لَيْسَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ الْأَوْلَى فَجَيِّدٌ وَإلَّا فَيَسْتَلْزِمٌ سَدُّ بَابِ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ. اهـ. كَذَا فِي فَتْحِ البَارِي.

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

إذَا لَمْ يَعِظِ النَّاسَ مَنْ هُوَ مُذْنِبٌ   ***   فَمَنْ يَعِظُ الْعَاصِينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، هُمَا ثَمَرَةُ الإِيمَانِ الصَّادِقِ وَعُنْوَانُ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَالكَمَالُ فِي شَخْصِيَّةِ الإِيمَانِ أَنْ يَأْمُرَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ الآخَرِينَ، وَأَنْ يَنْهَى نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى الآخَرِينَ، وَإِذَا لَمْ يَأْتَمِرْ هُوَ أَوَّلًا، وَلَمْ يَنْتَهِ هُوَ أَوَّلًا، فَلْيَأْمُرْ وَلْيَنْهَ، لَعَلَّ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ لِلْآخَرِينَ يَكُونُ سَبَبًا فِي اسْتِقَامَتِهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلنَا مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنْكَرِ، وَمِنَ المُلْتَزِمِينَ نَحْنُ أَوَّلًا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 1/ رمضان /1446هـ، الموافق: 1/ آذار / 2025م

 2025-03-04
 724
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

18-09-2025 320 مشاهدة
230ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن

القُرْآنُ العَظِيمُ كَالشَّمْسِ، وَالشَّمْسُ لَا تُؤَثِّرُ إِلَّا فِيمَنْ يَتَعَرَّضُ لَهَا، وَكَذَلِكَ القُرْآنُ العَظِيمُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ التَّعَرُّضَ لَهُ، بَلْ وَيَزِيدُ القُرْآنُ العَظِيمُ عَلَى شَمْسِ الدُّنْيَا، ... المزيد

 18-09-2025
 
 320
24-08-2025 613 مشاهدة
229ـ طريق المحبة

فِي إِطْلَالَةِ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَنْوَرِ، شَهْرِ مَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَقُولُ: لِنُتَرْجِمْ حُبَّنا لِسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 24-08-2025
 
 613
26-07-2025 711 مشاهدة
228ـ المعصية نوعان

المَعْصِيَةُ نَوْعَانِ، مَعْصِيَةٌ فَرْدِيَّةٌ، وَمَعْصِيَةٌ جَمَاعِيَّةٌ. فَالمَعْصِيَةُ الفَرْدِيَّةُ يَرْتَكِبُهَا صَاحِبُهَا مُسْتَتِرًا، يَتَوَارَى عَنْ أَنْظَارِ النَّاسِ، لَا يُجَاهِرُ بِهَا افْتِخَارًا وَتَحَدِيدًا لِمَشَاعِرِ المُسْلِمِينَ ... المزيد

 26-07-2025
 
 711
24-06-2025 623 مشاهدة
227ـ أجلنا محتوم

وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ ... المزيد

 24-06-2025
 
 623
27-05-2025 623 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 623
30-04-2025 589 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 589

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5703
المقالات 3248
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 427922926
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :