860ـ خطبة الجمعة: بلوغ رمضان نعمة كبرى

860ـ خطبة الجمعة: بلوغ رمضان نعمة كبرى

860ـ خطبة الجمعة: بلوغ رمضان نعمة كبرى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ تُطْوَى اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ، وَتَنْصَرِمُ الشُّهُورُ وَالأَعْوَامُ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقْضِي نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وإِذَا بَلَغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ، فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ.

وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ يَرَى حُلْوًا وَمُرًّا، فَلَا لحُلْوُ دَائِمٌ، وَلَا المُرُّ دائِمٌ، وَسَيَرَى أَفْرَاحًا وَأَحْزَانًا، وَسَيَسْمَعُ مَا يُؤْنِسُهُ، وَسَيَسْمَعُ مَا يُزْعِجُهُ، وَهَذِهِ سُنَّةُ الحَيَاةِ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَتَعَاقَبَانِ، وَالحَيَاةُ إلى زَوَالٍ، وَلَا يَبْقَى للإِنْسَانِ إِلَّا مَا حَمَلَهُ زَادًا للحَيَاةِ البَاقِيَةِ.

كُلُّنَا يَمْضِي في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَهُ أَهْدَافٌ وَآمَالٌ وَرَغَبَاتٌ وَأَمَانِيُّ، وَلَكِنْ أَيْنَ الكَيِّسُونَ الذينَ يَعْمَلُونَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ؟ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا.

بُلُوغُ رَمَضَانَ نِعْمَةٌ كُبْرَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ بُلُوغَ شَهْرِ رَمَضَانَ نِعْمَةٌ كُبْرَى، يُقَدِّرُهَا حَقَّ قَدْرِهَا الصَّالِحُونَ المُشَمِّرُونَ للجَنَّةِ، اسْتِشْعَارُ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا، وَاغْتِنَامُ هَذِهِ الفُرْصَةِ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَإِذَا فَاتَتْ كَانَتْ حَسْرَةً مَا بَعْدَهَا حَسْرَةٌ، وَخَسَارَةً مَا بَعْدَهَا خَسَارَةٌ، وَأَيُّ خَسَارَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ المَرْءُ فِيمَنْ عَنَاهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ عِنْدَمَا قَالَ لَهُ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ قُلْتُ: آمِينَ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: وَدَّعْنَا شَهْرَ رَمَضانَ المَاضِيَ، وَكَأَنَّ صَفَحَاتِهِ قَدْ طُوِيَتْ قَبْلَ أَيَّامٍ، وَاليَوْمَ نَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ مُرُورِ عَامٍ، عَامٌ مَضَى ذَهَبَتْ لَذَّاتُهُ وَبَقِيَتْ تَبِعَاتُهُ، نُسِيَتْ أَفْرَاحُهُ وَأَحْزَانُهُ، وَبَقِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ تُمْحَى سَيِّئَاتُهُ، نَعَمْ، سَتَنْقَضِي هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا بِأَفْرَاحِهَا وَأَحْزَانِهَا، وَسَتَنْتَهِي الأَعْمَارُ عَلَى طُولِهَا وَقِصَرِهَا، وَسَوْفَ يَعُودُ النَّاسُ إلى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ أَنْ أَمْضَوْا فَتْرَةَ الامْتِحَانِ عَلَى ظَهْرِ هَذِهِ الأَرْضِ ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ حَرَامٌ عَلَيْنَا أَنْ نَخْسَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ الذي فُتِحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَغُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، حَرَامٌ عَلَيْنَا خُسْرَانُهُ في السَّهَرَ عَلَى مَا لَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالنَّظَرِ إلى الأَفْلَامِ وَالمُسَلْسَلَاتِ، وَبِضَيَاعِ الوَقْتِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ.

حَرَامٌ عَلَيْنَا أَنْ نَخْسَرَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ بِامْتِلَاءِ القُلُوبِ بِالحِقْدِ وَالغِلِّ وَالحَسَدِ، وَالابْتِعَادِ عَنِ الصَّفْحِ وَالمُصَافَحَةِ وَالعَفْوِ وَالتَّسَامُحِ؛ كَمْ وَكَمْ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يَزَالُوا مُتَشَاحِنِينَ؟ وَكَمْ وَكَمْ مِنَ الصَّائِمِينَ ظَلُّوا مُتَقَاطِعِينَ مُتَهَاجِرِينَ، يَعْمَلُونَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، وَيَرْجُونَ وَيَأْمَلُونَ، وَلَكِنَّهُمْ بِنَصِّ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحْرُومُونَ؟ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ﴾؟

أَلَمْ يَأْنِ لِأَهْلِ هَذَا البَلَدِ أَنْ يَصْطَلِحُوا وَيَتَسَامَحُوا؟ أَلَمْ يَأْنِ للقُلُوبِ المُتَنَافِرَةِ أَنْ تَتَقَارَبَ وَتَتَآلَفَ؟ أَلَمْ يَأْنِ للأَيْدِي أَنْ تَتَصَافَحَ وَتَتَمَاسَكَ؟ إلى مَتَى يَا عِبَادَ اللهِ؟ وَالمَوْتُ يَأْخُذُ الوَاحِدَ تِلْوَ الآخَرِ، وَالجَمَاعَةَ تِلْوَ الجَمَاعَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: عُودُوا إلى اللهِ تَبَارَكَ وتعالى، عُودُوا إلى اللهِ، عُودُوا إلى اللهِ قَبْلَ نِهَايَةِ آجَالِكُمْ، تُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ رمضان /1444هـ، الموافق: 24/ آذار / 2023م

 

 2023-03-23
 3869
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

25-06-2025 173 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 173
19-06-2025 634 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 634
12-06-2025 892 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 892
04-06-2025 370 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 370
04-06-2025 271 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 271
29-05-2025 864 مشاهدة
940ـ خطبة الجمعة: ما أحوج الأمة إلى الالتزام بهذا الحديث

بِالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَتَزْدَادُ نُورًا يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ فِي النَّاسِ طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إِلَى المَوْتِ، وَيُصْبِحُ ... المزيد

 29-05-2025
 
 864

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3234
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424570586
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :