890ـ خطبة الجمعة: لا تزال الابتلاءات الأمة

890ـ خطبة الجمعة: لا تزال الابتلاءات الأمة

890ـ خطبة الجمعة: لا تزال الابتلاءات الأمة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ يَتَفَرَّجُ وَكَأَنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ.

نَعْمْ، إِخْوَانُنَا في فِلَسْطِينَ يَتَعَرَّضُونَ للقَتْلِ بِوَحْشِيَّةٍ وَهَمَجِيَّةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ المَلْعُونِينَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَالعَالَمُ مَكْتُوفُ الأَيَادِي، لَا يُعَاتِبُ المُجْرِمَ وَلَا يُوقِفُهُ عِنْدَ حَدِّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ المُعْتَدِي وَالغَاصِبُ وَالظَّالِمُ وَالجَائِرُ وَالمُجْرِمُ.

وَالعَالَمُ كُلُّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اليَهُودَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ، وَلَا مِيثَاقَ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ الذي هُوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ يَقُولُ عَنْهُمْ: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.

لَا تَزَالُ الأُمَّةُ تُبْتَلَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا تَزَالُ الأُمَّةُ تُبْتَلَى بِأَحْدَاثٍ وَقَضَايَا، حَتَّى يُنْسِيَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، وَيُغَطِّيَ حَدِيثُهَا قَدِيمَهَا، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:

مَاذَا أَقُـولُ وَقَلْبِـي بَـاتَ يُعْتَصَـرُ؟   ***   مِمَّا يَدُورُ وَمَا يَجْرِي وَيَـنْفَـــــطِـرُ

مَـاذَا أَقُـولُ وَأَعْمَـاقِـي مُمَزَّقَــــةٌ؟   ***   وَالصَّمْتُ رَانَ كَأَنَّ الحَالَ يُحْتَضَـرُ

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَا يَجْرِي عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ جُرْحٌ عَظِيمٌ أَصَابَ الأُمَّةَ بِأَسْرِهَا، لِأَنَّ أَرْضَ فِلَسْطِينَ لَيْسَتْ مِلْكًا للفِلَسْطِينِيِّينَ وَحْدَهُمْ، بَلْ هِيَ للمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، هِيَ أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِهِمْ، فَهِيَ مِيرَاثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَإِذَا كَانَ اليَهُودُ تَسَلَّطُوا عَلَى أَهْلِهَا، وَظَلَمُوهُمْ وَشَرَّدُوهُمْ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً تَحْتَ حِمَايَةِ وَرِعَايَةِ المُجْرِمِينَ مِنْ بِلَادِ الكُفْرِ، فَمَا كَانَ للمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِاغْتِصَابِ عَدُوٍّ فَاجِرٍ خَبِيثٍ، وَمَا كَانَ للمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَكِّرُوا في تَحْسِينِ عَلَاقَاتِهِمْ مَعَ هَؤُلَاءِ المُجْرِمِينَ، فَضْلًا عَنْ تَطْبِيعِ العَلَاقَاتِ بَيْنَهُمْ.

أَمَا آنَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ تَسْتَيْقِظَ مِنْ نَوْمَتِهَا، وَأَنْ تَنْفُضَ عَنْ نَفْسِهَا لِبَاسَ الذُّلِّ وَالعَارِ، وَتَعُودَ إلى سِرِّ عِزَّتِهَا وَعُنْوَانِ مَجْدِهَا، وَأَنْ تَنْتَصِرَ لِدِينِهَا، وَلِأَرْضِ مُقَدَّسَاتِهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: دَمُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ عَزِيزٌ وَغَالٍ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».

وَفي رِوَايَةٍ للتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».

وَمَعَ هَذَا فَالمَجَازِرُ في فِلَسْطِينَ جِهَارًا نَهَارًا قَائِمَةٌ، وَالدَّمُ رَخِيصٌ، وَالعَالَمُ مِنْ أَقْصَاهُ إلى أَقْصَاهُ كَأَنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ.

إِنَّ أَحْدَاثَ اليَوْمِ كَشَفَتْ كَذِبَ وَعَوْرَةَ الدُّوَلِ الغَرْبِيَّةِ التي رَفَعَتْ شِعَارَ حُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَحُقُوقِ المَرْأَةِ، وَحُقُوقِ الأَطْفَالِ، أَمَا آنَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ تَسْتَيْقِظَ مِنْ سُبَاتِهَا، وَتَتَنَاسَى الخِلَافَاتِ التي بَيْنَهَا، وَتَجْمَعَ كَلِمَتَهَا عَلَى الحَقِّ؟ أَمَا آنَ لَهَا أَنْ تَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾؟ أَمَا آنَ لَهَا أَنْ تَسْمَعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا يَسَعُنَا اليَوْمَ إِلَّا كَثْرَةُ الدُّعَاءِ لِإِخْوَانِنَا في فِلَسْطِينَ، وَأَنْ نَتَخَلَّى عَنْ صِفَاتِ وَأَفْعَالِ وَأَحْوَالِ وَأَقْوَالِ اليَهُودِ، فَكَمْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ تَحَلَّى بِهَا بَعْضُ المُسْلِمِينَ وَيَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 4/ جمادى الأولى /1445هـ، الموافق: 17/ تشرين الثاني / 2023م

 2023-11-16
 3986
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 107 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 107
10-05-2024 314 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 314
02-05-2024 562 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 562
26-04-2024 513 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 513
19-04-2024 813 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 813
12-04-2024 1536 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1536

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414918006
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :