896ـ خطبة الجمعة: كيف يرضى المسلم ضياع مكانته؟

896ـ خطبة الجمعة: كيف يرضى المسلم ضياع مكانته؟

896ـ خطبة الجمعة: كيف يرضى المسلم ضياع مكانته؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ حَبَانَا اللهُ تعالى هَذَا الدِّينَ، وَاصْطَفَانَا لِحَمْلِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَهَدَانَا إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا الفَضْلَ وَالنِّعْمَةَ وَالمِنَّةَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

لَقَدْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا بِهَذَا الدِّينِ، وَأَعَزَّ اللهُ تعالى بِهِ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَأَذَلَّ اللهُ تعالى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَاسْتَبْدَلَ الذي هُوَ أَدْنَى بِالذي هُوَ خَيْرٌ.

كَيْفَ يَرْضَى المُسْلِمُ ضَيَاعَ مَكَانَتِهِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: كَيْفَ يَرْضَى المُسْلِمُ أَنْ يُضَيِّعَ هَذِهِ المَكَانَةَ التي جَعَلَهُ اللهُ تعالى فِيهَا؟ كَيْفَ يَرْضَى بِالهَوَانِ وَالذُّلِّ وَالتَّبَعِيَّةِ لِأَبْنَاءِ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ وَأَذْنَابِهِمْ، وَكِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ؟

بَلْ كَيْفَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مُقَادًا بَعْدَ أَنْ كَانَ قَائِدًا؟ وَكَيْفَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُرْشِدًا؟ وَكَيْفَ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ ضَالًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَهْدِيًّا؟

أَيُّهَا المُسْلِمُ، أَنْتَ قَائِدٌ، وَأَنْتَ مُرْشِدٌ، وَأَنْتَ مَهْدِيٌّ وَهَادٍ، وَأَنْتَ مُقَلَّدٌ، فَكَيْفَ تَرْضَى لِنَفْسِكَ عَكْسَ هَذِهِ الصِّفَاتِ؟

«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: كَيْفَ يَرْضَى العَبْدُ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِمَنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ تعالى؟ كَيْفَ يَرْضَى المُسْلِمُ أَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِمَنْ لُعِنُوا عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾.

بَلْ كَيْفَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِمَنْ قَالَ اللهُ تعالى في وَصْفِهِمْ: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾؟

أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ مُتَّبِعًا لِهَؤُلَاءِ وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ بَعْضَ المُسْلِمِينَ سَوْفَ يَتَّبِعُهُم؟ رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ».

قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟

قَالَ: «فَمَنْ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَيْنَ غَيْرَتُنَا عَلَى عَقِيدَتِنَا؟ أَيْنَ غَيْرَتُنَا عَلَى تَوْحِيدِنَا؟ أَمَا نَغَارُ عَلَى دِينِنَا؟ أَمَا سَمِعْتمْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾.

أَمَا سَمِعْتُمْ قِصَّةَ هُدْهُدِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، طَائِرٌ صَغِيرٌ، لَقَدْ عَلِمَ مَنِ الذي يَسْتَحِقُّ العِبَادَةَ؟ وَعَلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الذي أَغْوَى أَتْبَاعَ بِلْقِيسَ، فَأَنْكَرَ أَشَدَّ الإِنْكَارِ عَلَى الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَعَزَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرَى قَوْمًا تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ، وَيَسْجُدُونَ للشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ تعالى.

فَأَيْنَ غَيْرَتُنَا؟ هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُشَارِكَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ أَهْلَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ في لَيْلَةِ رَأْسِ السَّنَةِ المِيلَادِيَّةِ بِمَعَاصِيهِمْ وَمُنْكَرَاتِهِمْ، وَخَاصَّةً في آوِنَةٍ نَرَى فِيهَا مَا يَفْعَلُ أَصْحَابُ هَذِهِ العَقَائِدِ الفَاسِدَةِ بِالمُسْلِمِينَ في فِلَسْطِينَ.

أَمَا سَمِعَ المُقَلِّدُونَ لَهُمْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. كَذَا في نصب الراية.

يَا رَبِ، نَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ جَمِيعِ المُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ وَالمَعَاصِي، وَلَا نَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا، فَوَّضْنَا أَمْرَنَا إلى اللهِ تعالى. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ جمادى الآخرة /1445هـ، الموافق: 29/ كانون الأول / 2023م

 2023-12-29
 2948
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

16-05-2025 124 مشاهدة
938ـ خطبة الجمعة: ليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهما

الإِنْسَانُ يَعِيشُ حَيَاتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، الَّتِي هِيَ دَارُ عَمَلٍ وَلَا جَزَاءَ، وَالأُخْرَى هِيَ دَارُ الآخِرَةِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الجَزَاءِ وَلَا عَمَلَ. وَمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الدَّارُ بِالدُّنْيَا ... المزيد

 16-05-2025
 
 124
08-05-2025 734 مشاهدة
937ـ خطبة الجمعة: هل أصلحنا قلوبنا وطهرناها استعدادًا للقاء الله تعالى

الدُّنْيَا لِلْبَشَرِ لَيْسَتْ بِدَارِ مَقَرٍّ، وَلَا بَقَاءٍ وَلَا خُلُودٍ، وَهُمْ عَمَّا قَلِيلٍ مِنْهَا ظَاعِنُونَ، وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ وَعَنْهَا رَاحِلُونَ، ثُمَّ هُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ وَاقِفُونَ مُخْتَصِمُونَ وَمُحَاسَبُونَ، ... المزيد

 08-05-2025
 
 734
01-05-2025 633 مشاهدة
936ـ خطبة الجمعة: حدد همتك وغايتك

مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ في هَذَا الوُجُودِ لَهُ أُمْنِيَةٌ يَرْجُو نَوَالَهَا، وَيُخَطِّطُ لِتَحْقِيقِهَا، وَيُعِدُّ وَيُرَتِّبُ لِلْحُصُولِ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الآمَالُ وَالأَمَانِيُّ تَخْتَلِفُ مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ، وَتَخْتَلِفُ ... المزيد

 01-05-2025
 
 633
24-04-2025 683 مشاهدة
935ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر نعمة ربانية

مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَكَاتِفَةٌ مُتَحَابَّةٌ، تَبْنِي أَفْرَادَهَا، وَتُقِيمُ مُجْتَمَعَاتِهَا عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَكِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ ... المزيد

 24-04-2025
 
 683
17-04-2025 588 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 588
10-04-2025 954 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 954

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5698
المقالات 3215
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423308371
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :