903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ عَنْ خَوَاطِرِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ، وَالبُعْدُ عَنِ النَّارِ وَسَمُومِهَا وَاللَّفَحَاتِ، وَقَرْعُ أَبْوَابُ الجَنَّاتِ؛ فَهَنِيئًا لِمَنْ صَامَ حَقَّ الصِّيَامِ، وَحَافَظَ عَلَى صِيَامِهِ مِنَ الضَّيَاعِ.

اسْتَقْبِلْ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالأُمُورِ الآتِيَةِ:

يَا عِبَادِ اللهِ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، شَهْرُ العِبَادَاتِ وَالقُرُبَاتِ، فَهَلَّا نَسْتَقْبِلُهُ بِالأُمُورِ الآتِيَةِ:

أَوَّلًا: بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ، لِأَنَّ العَبْدَ إِذَا أَصَرَّ عَلَى المَعْصِيَةِ حُرِمَ الطَّاعَاتِ، جَاءَ رَجُلٌ إلى الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أجهز طُهوري، وأستعد لقيام الليل، ولكن لا أقوم، ما سبب ذلك؟ قال: قيَّدتك ذنوبك. اهـ.

فَلَا تُقَيِّدْنَا ذُنُوبُنَا عَنْ صَلَاةِ القِيَامِ وَالتَّهَجُّدِ، وَصَلَاةِ الفَجْرِ في جَمَاعَةٍ، وَعَنِ الخَيْرَاتِ العِظَامِ في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، لِذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْمَعَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾.

ثَانِيًا: بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ لِاسْتِغْلَالِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ بِالقُرُبَاتِ، فَالنِّيَّةُ لَهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ في التَّوْفِيقِ للطَّاعَاتِ، وَالنِّيَّةُ لَهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ في جَعْلِ الثَّوَابِ لِمَنْ حَالَ المَوْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَوَى مِنَ الطَّاعَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ﴾.

كَمْ سَيَمُوتُ مِنَ الخَلْقِ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِسَاعَةٍ؟ وَكَمْ سَيَمُوتُ مِنَ الخَلْقِ قَبْلَ العَشْرِ الأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَكَمْ سَيَمُوتُ مِنَ الخَلْقِ قَبْلَ لَيْلَةِ القَدْرِ؟ وَكَمْ سَيَمُوتُ مِنَ الخَلْقِ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ عِيدِ الفِطْرِ يَوْمِ الجَائِزَةِ؟ فَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ وَتَرْكِ المُنْكَرَاتِ.

ثَالِثًا: بِالقَلْبِ السَّلِيمِ، لِأَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً إِلَّا مِنْ قَلْبٍ سَلِيمٍ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنُنَظِّفْ سَرَائِرَنَا مِنَ الحِقْدِ وَالغِلِّ وَالكِبْرِ وَالضَّغِينَةِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ابْنَ آدَمَ، لَكَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَعَمَلُكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ قَوْلِكَ، وَلَكَ سَرِيرَةٌ وَعَلَانِيَةٌ، وَسَرِيرَتُكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ عَلَانِيَتِكَ.

وَيَقُولُ ابْنُ المُبَارَكُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى وَاصِفًا الإِمَامَ مَالِكًا رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكٍ، لَيْسَ لَهُ كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ سَرِيرَةٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكِ بِمَزَايَاهُ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهَلْ نَرْبَحُ هَذَا الشَّهْرَ أَمْ نَخْسَرُهُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى؟

فَمَنْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى رِبْحِ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ، حَتَّى لَا يُحْرَمَ مِنْ بَرَكَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَعَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ لِفِعْلِ الخَيْرِ وَالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى.

وَعَلَيْهِ بِالقَلْبِ السَّلِيمِ الذي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حِقْدَ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَسَلِّمْنَا لَهُ، وَتَقَبَّلْهُ مِنَّا كَامِلًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/ شعبان /1445هـ، الموافق: 8/ آذار / 2024م

 2024-03-08
 2009
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 157 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 157
25-06-2025 472 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 472
19-06-2025 837 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 837
12-06-2025 995 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 995
04-06-2025 408 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 408
04-06-2025 321 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 321

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424746254
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :