21ـ إبطه الشريفة صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي *** وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ *** كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ
إِبْطُهُ الشَّرِيفَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
تَنْبِيهٌ للنَّبِيهِ: مَنْ نَتَكَلَّمُ عَنْهُ، وَنَصِفُ جَسَدَهُ وَشَكْلَهُ، هُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَبِيبُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ الْإِبْطَيْنِ: وَهَذِهِ الصِّفَةُ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ إِنَّ الْإِبْطَ عَادَةً مَا يَكُونُ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ؛ وَقَدْ ذَكَرَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ هَذِهِ الصِّفَةَ:
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ (أَيْ: بَاعَدَ) بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ وَضَحَ إِبْطَيْهِ؛ قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بَيَاضَهُمَا.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِوَصْفِ إِبْطَيْهِ بِالْبَيَاضِ:
فَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا شَعْرٌ، فَكَانَا كَلَوْنِ جَسَدِهِ.
ثُمَّ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَحْتَ إِبْطَيْهِ شَعْرٌ الْبَتَّةَ.
وَقِيلَ: كَانَ لِدَوَامِ تَعَهُّدِهِ لَهُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَعْرٌ.
وَوَقَعَ عِنْدَ الإِمَامِ البُخَارِيِّ فِي حَدِيثٍ: حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ؛ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَعْفَرَ مَا بَيَاضُهُ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ (أَيْ: بَيَاضٌ مُشَابٌ بِالسُّمْرَةِ) وَهَذَا شَأْنُ الْمَغَابِنِ يَكُونُ لَوْنُهَا فِي الْبَيَاضِ دُونَ لَوْنِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ.
هَذَا الْإِبْطُ الْمُبَارَكُ، وَهَذَا الْبَيَاضُ الْأَخَّاذُ عَلَّمَ الْبَشَرِيَّةَ ثَقَافَةَ الْحُسْنِ، وَجَمَالَ النَّظَافَةِ وَالاهْتِمَامِ.
هَذَا الْإِبْطُ الْمُبَارَكُ: ارْتَفَعَتْ أَرْكَانُهُ إِلَى السَّمَاءِ بدُعاءٍ بالنَّصْرِ وَالاسْتِسْقَاءِ وَالْخَيْرِ وَالْغَيْثِ لِلْأُمَّةِ جَمْعَاءَ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ.
فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ.
قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ (أَيْ: تَأَخَّرَ لِضَعْفِهِ عَنِ السَّفَرِ وَعَجْزِهِ عَنْهُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ المَطَرِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الضَّرَرُ) وَمُنِعَ الطَّرِيقُ (أَيْ: حُبِسَ عَنِ السَّيْرِ فِيهِ).
وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.
هَذَا الْإِبْطُ الْمُبَارَكُ: يَرْتَفِعُ دُعَاءً عِنْدَمَا يَظْلِمُ الأخُ أَخَاهُ، أَوْ يَضْرِبُهُ بِظُلْمِهِ وَاعْتِدَائِهِ وَأَذَاهُ؛ عِنْدَمَا يَرْتَشِي الْمُرْتَشِي، وَيَعُقُّ الْوَلَدُ أُمَّهُ وَأَبَاهُ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا الَّذِي لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا».
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ فَيَأْتِي أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا، فَوَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا ـ قَالَ هِشَامٌ بِغَيْرِ حَقِّهِ ـ إِلَّا جَاءَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَلَا فَلَأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ (صَوْتُ البَعِيرِ) أَوْ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ (مِنَ اليَعَارِ وَهُوَ صَوْتُ الشَّاةِ) ـ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ـ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ».
وَقَدِ اغْبَرَّ هَذَا الإِبْطُ الشَّرِيفُ في سَبِيلِ اللهِ تعالى يَوْمَ الأَحْزَابِ، رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا، إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.
وَلَقَدْ دَعَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للصَّحْبِ الكِرَامِ، وَبَالَغَ في رَفْعِ يَدَيْهِ، حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى الإمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَلِأَزْوَاجِ الْأَنْصَارِ، وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ، الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا شِعْبًا، وَأَخَذَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ».
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْكَآبَةَ فِي وَجْهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْفَرَحَ فِي وُجُوهِ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللهِ لَا تَغِيبُ الشَّمْسُ حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِرِزْقٍ».
فَعَلِمَ عُثْمَانُ أنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ سَيَصْدُقَانِ، فَاشْتَرَى عُثْمَانُ أَرْبَعِينَ رَاحِلَةً بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الطَّعَامِ، فَوَجَّهَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً مِنْهَا.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟».
فَقَالُوا: أَهْدَى إِلَيْكَ عُثْمَانُ، فَعُرِفَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْكَآبَةُ فِي وُجُوهِ الْمُنَافِقِينَ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ يَدْعُو لِعُثْمَانَ دُعَاءً مَا سَمِعْتُهُ دَعَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ: «اللَّهُمَّ أَعْطِ عُثْمَانَ، اللَّهُمَّ افْعَلْ بِعُثْمَانَ».
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ جَدَّهَا الزَّارِعَ انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ بِابْنٍ لَهُ مَجْنُونٍ أَوِ ابْنِ أُخْتٍ لَهُ.
قَالَ جَدِّي: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مَعِي ابْنًا لِي أَوِ ابْنَ أُخْتٍ لِي مَجْنُونٌ، أَتَيْتُكَ بِهِ تَدْعُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ.
فَقَالَ: «ائْتِنِي بِهِ».
فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي الرِّكَابِ، فَأَطْلَقْتُ عَنْهُ وَأَلْقَيْتُ عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ وَأَلْبَسَتْهُ ثَوْبَيْنِ حَسَنَيْنِ، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ادْنُهُ مِنِّي اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَلِينِي».
قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ ظَهْرَهُ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ، اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ».
فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ نَظَرَ الصَّحِيحِ لَيْسَ بِنَظَرِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَقْعَدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَعَا لَهُ بِمَاءٍ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَدَعَا لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَفْدِ أَحَدٌ بَعْدَ دَعْوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْضُلُ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
تاريخ الكلمة
** ** **
الأربعاء: 20/ شوال /1444هـ، الموافق: 10/ أيار / 2023م
كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَا كَفٍّ عَظِيمَةٍ، مَبْسُوطَةٍ صُورَةً وَخِلْقَةً، أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، تَمِيلُ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَر، اجْتَمَعَ لَهَا مَعَ اللِّينِ ... المزيد
كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِرَاعَانِ طَوِيلَتَانِ، فِي تَنَاسُبٍ مَعَ بَاقِي أَعْضَاءِ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ، طَالَ زِنْدَاهَا، وَامْتَدَّ سَاعِدَاهَا، وَعَلَاهَا شَعْرٌ كَثِيفٌ. وَمِمَّا ... المزيد
إِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ مَا لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا إِفْرَازَاتُ عَرَقِهِ المُبَارَكَةِ؛ فَقِفْ عِنْدَ حُدُودِ الأَدَبِ، وَاسْتَشْعِرْ طِيبَ الْحَبِيبِ المحبَّبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد
لَمْ تَكُنْ بَطْنُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةً فَتَعِيبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَوَاءً بِصَدْرِهِ. تَقُولُ السَّيِّدَةُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في وَصْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ المِرْآةُ فِي اسْتِوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، وَقَدِ امْتَلَأَ الصَّدْرُ الشريف لَحْمًا؛ فَلَا هُوَ بِالْبَدِنِ السَّمِينِ، ... المزيد
كَانَ ظَهْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعًا، جَمِيلَ الْمَنْظَرِ وَالصُّورَةِ، تربَّعَ عَلى نَاغِضِهِ الأَيْسَرِ مِنْ جِهَةِ الْقَلْبِ خَاتَمُ النُّبوَّةِ: تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ ... المزيد