20ـ بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي *** وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ *** كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ
بَطْنُهُ الشَّرِيفَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
لَمْ تَكُنْ بَطْنُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةً فَتَعِيبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَوَاءً بِصَدْرِهِ.
تَقُولُ السَّيِّدَةُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في وَصْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَمْ تُعِبْهُ ثُجْلَةٌ (أَيْ: كِبَرٌ) رَوَاهُ الحَاكِمُ.
وَيَقُولُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَادِنًا مُتَمَاسِكًا. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
تَنْوِيهٌ للنَّبِيهِ: قَدْ يَفْهَمُ الْبَعْضُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا كَبِرَتْ بِهِ السِّنُّ بَدُنَ وَامْتَلَأَ جَسَدُهُ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايةِ الوَارِدَةِ في مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ؛ فَإِنِّي قَدْ بَدُنْتُ».
وَيَفْهَمُ الْبَعْضُ مِنْهَا أَنَّهُ الامْتِلَاءُ، وَلَيْسَ هذا بِصَوَابٍ؛ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْوَهْمُ مِنْ قِرَاءَةِ بَدُنَ بِالتَّخْفِيفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا (بَدَّنَ) بِتَضْعِيفِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ، بِمَعْنَى أَسِنَ وَضَعُفَ لَا بِمَعْنَى سَمِنَ وامْتَلَأَ؛ إِذِ الْبَدَانَةُ وَصْفٌ مُخَالِفٌ لِوَصْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَلْمَحْنَا.
هَذِهِ الْبَطْنُ الْمُبَارَكةُ: حَمَاها اللهُ عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ، وَأَكْلِ مَالِ الشُّبْهَةِ، وَأَكْلِ حَقِّ الآخَرِينَ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْلِ مَا لَا يَحِلُّ، بَلْ وَأَكْلِ صَدَقَاتِ النَّاسِ لِأَنَّهَا أَوْسَاخُهُمْ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ».
فَبَطْنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَقِيَّةٌ طَاهِرَةٌ شَرِيفَةٌ، رَوَى الحَاكِمُ عَنْ لَيْلَى مَوْلَاةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَدَخَلْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا وَوَجَدْتُ رِيحَ الْمِسْكِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا.
قَالَ: «إِنَّ الْأَرْضَ أُمِرْتْ أَنْ تَكْفِيَهُ مِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ».
هَذه الْبَطْنُ الْمُبَارَكةُ: عَلَى بَشَرَتِهِا ظَهَرَ الْبِشْرُ وَكَمَالُ الرَّحْمَةِ، فَعَنْ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى بَطْنِهِ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ قَالَ: فَبَالَ حَتَّى رَأَيْتُ بَوْلَهُ عَلَى بَطْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسَارِيعَ قَالَ: فَوَثَبْنَا إِلَيْهِ.
قَالَ: فَقَالَ: «دَعُوا ابْنِي، أَوْ لَا تُفْزِعُوا ابْنِي».
قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَأَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ قَالَ: فَأَدْخَلَهَا فِي فِيهِ.
قَالَ: فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَفي رِوَايَةِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟».
هَذه الْبَطْنُ الْمُبَارَكةُ: شَهِدَتْ أَكْرَمَ مَحْكَمَةِ عَدْلٍ، وَأَعْظَمَ قَضِيَّةِ حُبٍّ، مِنْ سَوَادٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَمَا جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ (سَهْمٌ بِدُونِ نَصْلٍ) يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيَّةَ، حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ ـ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: سَوَّادٌ، مُثَقَّلَةٌ، وَسَوَادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا، مُخَفَّفٌ ـ وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصَّفِّ (مُتَقَدِمٌ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُسْتَنْصِلٌ مِنَ الصَّفِّ ـ فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ، وَقَالَ: «اسْتَوِ يَا سَوَّادُ».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَكَ اللهُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ؛ قَالَ: فَأَقِدْنِي.
فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: «اسْتَقِدْ».
قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ؛ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَّادُ؟».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِكَ أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ.
فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرِ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
تاريخ الكلمة
** ** **
الأربعاء: 19/ جمادى الآخرة /1444هـ، الموافق: 11/ كانون الثاني / 2023م
كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَا كَفٍّ عَظِيمَةٍ، مَبْسُوطَةٍ صُورَةً وَخِلْقَةً، أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، تَمِيلُ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَر، اجْتَمَعَ لَهَا مَعَ اللِّينِ ... المزيد
كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِرَاعَانِ طَوِيلَتَانِ، فِي تَنَاسُبٍ مَعَ بَاقِي أَعْضَاءِ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ، طَالَ زِنْدَاهَا، وَامْتَدَّ سَاعِدَاهَا، وَعَلَاهَا شَعْرٌ كَثِيفٌ. وَمِمَّا ... المزيد
إِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ مَا لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا إِفْرَازَاتُ عَرَقِهِ المُبَارَكَةِ؛ فَقِفْ عِنْدَ حُدُودِ الأَدَبِ، وَاسْتَشْعِرْ طِيبَ الْحَبِيبِ المحبَّبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد
تَنْبِيهٌ للنَّبِيهِ: مَنْ نَتَكَلَّمُ عَنْهُ، وَنَصِفُ جَسَدَهُ وَشَكْلَهُ، هُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَبِيبُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى ... المزيد
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ المِرْآةُ فِي اسْتِوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، وَقَدِ امْتَلَأَ الصَّدْرُ الشريف لَحْمًا؛ فَلَا هُوَ بِالْبَدِنِ السَّمِينِ، ... المزيد
كَانَ ظَهْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعًا، جَمِيلَ الْمَنْظَرِ وَالصُّورَةِ، تربَّعَ عَلى نَاغِضِهِ الأَيْسَرِ مِنْ جِهَةِ الْقَلْبِ خَاتَمُ النُّبوَّةِ: تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ ... المزيد