870ـ خطبة الجمعة: حسن السيرة سبب لحسن الخاتمة

870ـ خطبة الجمعة: حسن السيرة سبب لحسن الخاتمة

870ـ خطبة الجمعة: حسن السيرة سبب لحسن الخاتمة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ مِنَّا لَا يَتَمَنَّى حُسْنَ الخَاتِمَةِ؟ وَكُلُّنَا يَعْلَمُ أَنَّ الأُمُورَ بِخَوَاتِيمِهَا، يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَلْيَحْرِصِ العَبْدُ عَلَى أَنْ يُكْرِمَهُ اللهُ تعالى بِحُسْنِ الخَاتِمَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَعْظَمُ هَمٍّ وَغَمٍّ يَحْمِلُهُ الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ مِسْكُ الخِتَامِ، وَأَنْ يَبْلُغَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ، وَأَنْ يَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

وَأَعْظَمُ بَلِيَّةٍ يُبْتَلَى بِهَا العَبْدُ سُوءُ الخَاتِمَةِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ غَفْلَتِهِ عَنِ اللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَعَنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾. غَفَلَ عَنْ هَذَا بِسَبَبِ انْغِمَاسِهِ في الدُّنْيَا وَالتَّكَاثُرِ مِنْهَا، قَالَ تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾.

حُسْنُ السِّيرَةِ سَبَبٌ لِحُسْنِ الخَاتِمَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَرَادَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ فَعَلَيْهِ بِحُسْنِ السِّيرَةِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِحُسْنِ السّيرَةِ، أَكْرَمَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى بِحُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَهَذَا مَا يُؤَكِّدُهُ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ».

وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ».

قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقُلْتَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ» وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ، فَقُلْتَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ».

وَالنَّاسُ لَا يُثْنُونَ عَلَى العَبْدِ خَيْرًا إِلَّا إِذَا شَاهَدُوا مِنْهُ حُسْنَ أَخْلَاقٍ وَحُسْنَ سِيرَةٍ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَلَعَلَّنَا نَذْكُرُ جَمِيعًا قِصَّةَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ شَابَّانِ قَالَا لَهُ: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. وَتِلْكَ هِيَ نَفْسُ الكَلِمَةِ التي قَالَهَا لَهُ إِخْوَتُهُ عِنْدَمَا صَارَ عَزِيزَ مِصْرَ: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: حُسْنُ السِّيرَةِ، وَحُسْنُ الأَخْلَاقِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ الخَلْقِ للعِبْدِ، وَثَنَائِهِمْ عَلَيْهِ، بَعْدَ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذَا العَبْدِ، وَثَنَائِهِ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾.

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَرَادَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ فَلْيَكُنْ حَسَنَ السِّيرَةِ، فَلْيَكُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ، فَلْيَكُنْ مِنَ المُحْسِنِينَ، فَلْيَكُنْ حَرِيصًا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ اللهُ تعالى لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ، كَمَا كَانَ حَرِيصًا عَلَيْهَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذي ابْتَلَاهُ اللهُ تعالى بِمَا ابْتَلَاهُ بِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾. بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَ بِحُسْنِ السِّيرَةِ، وَنَجَحَ في الابْتِلَاءِ وَالاخْتِبَارِ، قَالَ: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾.

فَأَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِتَخْلِيدِ سِيرَتِهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

نَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا حُسْنَ السِّيرَةِ وَصَفَاءَ السَّرِيرَةِ، وَأَنْ تَتَطَابَقَ أَقْوَالُنَا مَعَ أَفْعَالِنَا، وَأَنْ تُكْرِمَنَا بِنِعْمَةِ الإِخْلَاصِ، وَنَسْأَلُكَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 29/ شوال /1444هـ، الموافق: 19/ أيار / 2023م

 2023-05-18
 4277
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 3025 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 3025
22-11-2024 1082 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1082
14-11-2024 1251 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1251
04-10-2024 4846 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 4846
27-09-2024 2827 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 2827
20-09-2024 2016 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 2016

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5638
المقالات 3202
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 420838286
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :