872ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر مطلب شرعي

872ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر مطلب شرعي

872ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر مطلب شرعي

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَقُولُ لِنَفْسِي، وَلِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ: يَا مُرِيدَ حُسْنِ الخَاتِمَةِ، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ صَدْرِكَ وَطَهَارَةِ قَلْبِكَ مِنَ الغِلِّ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ وَالبَغْضَاءِ، وَتَذَكَّرْ صِفَةَ الرِّجَالِ الأَطْهَارِ الذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَالذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

سَلَامَةُ الصَّدْرِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ:

يَا عِبَادَ اللهِ: سَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَطَهَارَةُ القَلْبِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، وَمَطْلَبٌ عَزِيزٌ، وَالحِرْصُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَبَذْلُ الأَسْبَابِ للوُصُولِ إِلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ؛ وَقَدْ جَاءَ القُرْآنُ الكَرِيمُ مَعَ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ يُحَرِّضَانِ المُسْلِمَ عَلَى سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَطَهَارَةِ القَلْبِ.

قَالَ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

وَأَخِيرًا يَدْعُونَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ﴾. بَلَى، وَاللهِ يَا رَبَّنَا نُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا؛ تَعَلَّمْنَا هَذَا القَوْلَ مِنْ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهَلْ نُتَابِعُهُ بِالعَمَلِ بَعْدَ القَوْلِ؟

وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ عِصْمَتِهِمْ كَانُوا حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى حُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَيَسْأَلُونَ اللهَ تعالى أَنْ يُمِيتَهُمْ عَلَى الإِسْلَامِ، فَهَلَّا حَرَصْنَا عَلَى أَنْ نُكْرَمَ بِحُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَذَلِكَ بِطَهَارَةِ قُلُوبِنَا مِنَ الحِقْدِ وَالغِلِّ وَالحَسَدِ وَالبُغْضِ، فَهَذِهِ أَمْرَاضٌ خَبِيثَةٌ، وَهِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِنْ مَرَضِ السَّرَطَانِ.

فَالحِقْدُ وَالحَسَدُ إِذَا تَمَكَّنَا في قَلْبِ الإِنْسَانِ يَكُونَانِ مِثْلَ السَّرَطَانِ الذي يَنْتَشِرُ في الجَسَدِ، وَهَذَا هُوَ وَاقِعُنَا المَرِيرُ، حِقْدٌ وَحَسَدٌ ضِمْنَ الأُسْرَةِ، وَانْتَشَرَ إلى العَائِلَةِ، ثُمَّ انْتَشَرَ عَلَى مُسْتَوَى المُجْتَمَعَاتِ، بَلْ وَعَلَى مُسْتَوَى الدُّوَلِ.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ كَانَ العَرَبُ قَبْلَ الإِسْلَامِ مُتَمَزِّقِينَ بِسَبَبِ الأَحْقَادِ وَالحَسَدِ وَالضَّغِينَةِ، فَجَاءَ الإِسْلَامُ وَطَهَّرَهُمْ مِنْ هَذِهِ الأَوْصَافِ، حَتَّى صَارُوا كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَكَانَتْ أُمَّتُهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، وَأَكْرَمَهُمُ اللهُ تعالى بِحُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَشَهِدَ لَهُمْ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

فَهَلِ اتَّبَعْنَاهُمْ بِأَخْلَاقِهِمْ وَآدَابِهِمْ وَطَهَارَةِ قُلُوبِهِمْ لِنَفُوزَ بِهَذَا الوَعْدِ الرَّبَّانِيِّ؟

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 13/ ذو القعدة /1444هـ، الموافق: 2/ حزيران / 2023م

 2023-06-01
 1832
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-09-2023 478 مشاهدة
888ـ خطبة الجمعة: ميراث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

لَقَدْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا تَكُونَ حَياَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَةً، فَكَانَتِ الأَرْبَعُونَ عَامًا مِنْهَا تَهْيِئَةً رَبَّانِيَّةً للمُهِمَّةِ العَظِيمَةِ ... المزيد

 28-09-2023
 
 478
21-09-2023 888 مشاهدة
887ـ خطبة الجمعة: اختياره صلى الله عليه وسلم من الأزل

في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَتَجَدَّدُ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ حُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ أَصْلُ شَرَفِنَا وَمَصْدَرُ فَخْرِنَا وَعِزِّنَا في هَذَا العَالَمِ. نَعَمْ، ... المزيد

 21-09-2023
 
 888
16-09-2023 595 مشاهدة
886ـ خطبة الجمعة: لا تتعجبوا من البلاء وشدته

يَا مَنْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالانْتِمَاءِ لِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَجَعَلَ هُوِيَّتَنَا الإِسْلَامَ وَالإِيمَانَ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، يَا مَنْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَجَعَلَنَا عَلَى بَصِيرَةٍ ... المزيد

 16-09-2023
 
 595
08-09-2023 566 مشاهدة
885ـ خطبة الجمعة: هل فقدت المرأة هويتها؟

فَقْدُ الهُوِيَّةِ وَضَيَاعُهَا هِيَ مَأْسَاتُنَا في هَذِهِ الآوِنَةِ، لَقَدْ أَضَاعَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ هُوِيَّتَهُمُ التي مَيَّزَهُمُ اللهُ تعالى بِهَا، وَشَرَّفَهُمْ بِهَا، فَقَدُوهَا شَكْلًا وَمَضْمُونًا، لَقَدْ ضَيَّعَ بَعْضُهُمْ شَرَفَ ... المزيد

 08-09-2023
 
 566
31-08-2023 1390 مشاهدة
884ـ خطبة الجمعة: مأساتنا فقد هويتنا

هَلْ خَطَرَ عَلَى بَالِ أَحَدِنَا أَنْ يَتَسَاءَلَ مَعَ نَفْسِهِ: مَنْ أَنَا؟ وَمَا هُوِيَّتِي؟ قَدْ يَسْتَغْرِبُ الجَمِيعُ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ، لِأَنَّ الجَوَابَ يَأْتِي مُبَاشَرَةً: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَنَا المُهَنْدِسُ، أَنَا الطَّبِيبُ، ... المزيد

 31-08-2023
 
 1390
24-08-2023 1954 مشاهدة
883ـ خطبة الجمعة: تحمل الصعاب سبيل الوصول إلى الجنة

نَحْنُ في أَيَّامِ فِتَنٍ وَمِحَنٍ وَعَقَبَاتٍ كَبِيرَةٍ، وَمَشَقَّاتٍ صَعْبَةٍ، تَعْصِفُ بِالأُمَّةِ عَصْفًا، فَالمُؤْمِنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صُلْبًا في إِيمَانِهِ دَائِمًا وَأَبَدًا، وَيَسْتَحْضِرَ سَاعَةَ الوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ... المزيد

 24-08-2023
 
 1954

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5600
المقالات 3116
المكتبة الصوتية 4652
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :