880ـ خطبة الجمعة: الحذر من الإصرار على المعصية

880ـ خطبة الجمعة: الحذر من الإصرار على المعصية

880ـ خطبة الجمعة: الحذر من الإصرار على المعصية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِتَجْدِيدِ الإِيمَانِ وَتَقْوِيَتِهِ، لِأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَيَنْقُصُ بِفِعْلِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؛ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ طَبِيعَتِنَا، وَالذُّنُوبُ شَاكِلَتُنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». رواه الإِمامُ مُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

لَسْنَا بِمَعْصُومِينَ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ التَّوَّابِينَ، وَمِنَ الذينَ لَا يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ وَصَفَ اللهُ تعالى المُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.

الحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى المَعْصِيَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى المَعْصِيَةِ، لِأَنَّهُ طَامَّةٌ كُبْرَى، وَقَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِسُوءِ الخَاتِمَةِ، وَالتي تَعْنِي خَسَارَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ».

القُمْعُ هُوَ الذي يُوضَعُ فِيهِ السَّائِلُ فَيَخْرُجُ مِنْ أَسْفَلِهِ، هَؤُلَاءِ يَسْمَعُونَ وَكَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، وَلَو عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَكِنَّ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ.

المُبَادَرَةُ لِاسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ فُقَرَاءُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَلَيْنَا بِالمُبَادَرَةِ لِاسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾.

اللهُ تعالى يُنَادِينَا إلى التَّوْبَةِ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، دَعَانَا بِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: دَعْوَةُ اللهِ تعالى لَنَا وَاضِحَةٌ ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. وَدَعْوَةُ الشَّيْطَانِ وَاضِحَةٌ ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾. ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَانِهِ أَنْ يَكُونُ في ازْدِيَادٍ، عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ دُعَاةِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اليَوْمَ تَتَخَطَّفُنَا دَعَوَاتُ الشَّرِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، لِإِضعَافِ الإِيمَانِ أَو لِضَيَاعِهِ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ حَيَاةُ الشَّقَاءِ، فَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنَ اللهِ تعالى إِلَّا إِلَيْهِ.

هَذِهِ الفِتَنُ التي تُحِيطُ بِنَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ، عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَصِمَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَجْتَهِدَ في النَّجَاةِ، وَأَنْ لَا نَغْتَرَّ بِالبَاطِلِ لِكَثْرَةِ الهَالِكِينَ، وَلَا نَسْتَوْحِشَ مِنَ طَريْقِ الحَقِّ لِقِلَّةِ النَّاجِينَ.

اللَّهُمَّ أَرِنَا الحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَحَبِّبْنَا فِيهِ، وأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلًا وَأَلْهِمْنَا اجْتِنَابَهُ وَكَرِّهْنَا فِيهِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ محرم /1445هـ، الموافق: 4/ آب / 2023م

 2023-08-03
 4674
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 142 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 142
25-06-2025 454 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 454
19-06-2025 822 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 822
12-06-2025 984 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 984
04-06-2025 403 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 403
04-06-2025 315 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 315

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424724584
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :