882ـ خطبة الجمعة: الفوز الحقيقي

882ـ خطبة الجمعة: الفوز الحقيقي

882ـ خطبة الجمعة: الفوز الحقيقي

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الخُسْرَانُ كُلُّ الخُسْرَانِ أَنْ تَكُونَ صِلَةُ العَبْدِ بِرَبِّهِ هَزِيلَةً وَمُتَقَلِّبَةً، إِنْ رَأَى خَيْرًا اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِلَّا أَعْرَضَ وَاعْتَرَضَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

فَالخَسَارَةُ كُلُّ الخَسَارَةِ إِذَا لَمْ يَفْقَهِ العَبْدُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَلَمْ يَعْرِفْ غَايَةَ خَلْقِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَا كَلَّفَهُ اللهُ تعالى بِهِ.

الفَوْزُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَ المُؤْمِنِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الفَوْزُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ الحَقِّ هُوَ مَا عَرَفَهُ مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ وَتَعَلَّمَهُ مِنْهُ، الفَوْزُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَ المُؤْمِنِ يَوْمَ يُزَحْزَحُ عَنِ النَّارِ وَيُدْخِلُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَنَّتَهُ، التي فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

أَيُّ فَوْزٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَنْجُوَ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، التي تُنْسِي المُتَنَعِّمَ في الدُّنْيَا كُلَّ نَعِيمٍ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ غَمْسَةٍ يُغْمَسُ فِيهَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ».

غَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ تُنْسِيهِ كُلَّ نَعِيمٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ يُضَاعَفُ عَلَيْهِ العَذَابُ؟

مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ أَخَفَّ النَّاسِ عَذَابًا وَأَهْوَنَهُمْ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَذَا الذي يَنَالُهُ أَبُو طَالِبٍ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَعَمْ، نَعِيشُ في أَزْمَةٍ كَبِيرَةٍ وَعَظِيمَةٍ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهَا، وَلَكِنْ وَاللهِ تَهُونُ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا فُزْنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، بِسِرِّ إِيمَانِنَا بِاللهِ تعالى، وَبِسِرِّ إِيمَانِنَا بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِسِرِّ إِيمَانِنَا بِاليَوْمِ الآخِرِ.

فَلْنُحَافِظْ عَلَى هَذَا الإِيمَانِ مِنَ الضَّيَاعِ أَيَّامَ الابْتِلَاءَاتِ وَالمِحَنِ، وَلْنَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَمِنَ الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلَاءِ، وَمِنَ الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ، وَإِلَّا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى انْدَرَجْنَا تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ جَمِيعِ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ كُلِّ مَا يَصُدُّكُمْ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاسْمَعُوا وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ صفر /1445هـ، الموافق: 18/ آب / 2023م

 2023-08-17
 2726
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

08-12-2023 36 مشاهدة
893ـ خطبة الجمعة: مكانة المرأة في الإسلام

الحَقِيقَةُ تُقَالُ: عِنْدَمَا رَأَى الغَرْبُ في الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ الخَطَرَ عَلَيْهِمْ، وَعَجَزُوا عَنْ مُصَارَعَةِ الحَقِّ الذي يَحْمِلُهُ دِينُ اللهِ تعالى، رَفَعُوا شِعَارَاتٍ بَرَّاقَةً تُوهِمُ البُسَطَاءَ مِنَ الخَلْقِ، وَتَدْفَعُهُمْ ... المزيد

 08-12-2023
 
 36
01-12-2023 714 مشاهدة
892ـ خطبة الجمعة: الإسلام رفع الإنسان فوق كل المقدسات

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اعْتَادَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ الذينَ دَارُوا في فَلَكِ شَيَاطِينِ الجِنِّ عَلَى التَّسَتُّرِ وَرَاءَ شِعَارَاتٍ بَرَّاقَةٍ وَاهِيَةٍ، تَبْدُو في ظَاهِرِهَا مَعْقُولَةً وَجَمِيلَةً وَحَسَنَةً، يُلْقِي ... المزيد

 01-12-2023
 
 714
23-11-2023 1542 مشاهدة
891ـ خطبة الجمعة: قوم لن يغلبوا

إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا ... المزيد

 23-11-2023
 
 1542
16-11-2023 2399 مشاهدة
890ـ خطبة الجمعة: لا تزال الابتلاءات الأمة

إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا ... المزيد

 16-11-2023
 
 2399
05-10-2023 3409 مشاهدة
889ـ خطبة الجمعة: القرآن العظيم منهج حياة

يَا مَنْ أَسْعَدَكُمُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَشَرَحَ صُدُورَكُمْ للإِسْلَامِ، اعْلَمُوا أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ لَكُمْ مِيرَاثًا، إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ نِلْتُمْ مَا نَالَهُ ... المزيد

 05-10-2023
 
 3409
28-09-2023 2284 مشاهدة
888ـ خطبة الجمعة: ميراث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

لَقَدْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا تَكُونَ حَياَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَةً، فَكَانَتِ الأَرْبَعُونَ عَامًا مِنْهَا تَهْيِئَةً رَبَّانِيَّةً للمُهِمَّةِ العَظِيمَةِ ... المزيد

 28-09-2023
 
 2284

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5602
المقالات 3125
المكتبة الصوتية 4675
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :