27ـ «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ»
مقدمة الكلمة:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ النَّاسِ حَسَبَ الظَّاهِرِ، وَأَنْ نَكِلَ سَرَائِرَهُمْ إلى اللهِ تعالى، وَلَا نَحْكُمَ عَلَى مَا في القُلُوبِ، وَلَا نَشُقَّ عَنِ البُطُونِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَخِيهِ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ.
«إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ مِنْ خِلَالِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ يُعَامِلُهُمْ حَسَبَ الظَّاهِرِ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلى اللهِ تعالى.
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ (قِطْعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ) فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ (أَيْ: في جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بِالقَرَظِ، وَالقَرَظُ حَبٌّ مَعْرُوفٌ يَخْرُجُ في غُلْفٍ كَالعَدَسِ مِنْ شَجَرِ العَضَاهِ) لَمْ تُحَصَّلْ (لَمْ تُخَلَّصْ) مِنْ تُرَابِهَا.
قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ، وَزَيْدِ الخَيْلِ، وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً».
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ (عَيْنَاهُ دَاخِلَتَانِ في مَحَاجِرِهِمَا لَاصِقَتَانِ بِقَعْرِ الحَدَقَةِ) مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ (بَارِزُهُمَا) نَاشِزُ الجَبْهَةِ (مُرْتَفِعُهَا) كَثُّ اللِّحْيَةِ (كَثِيرُ شَعْرِهَا) مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ (إِزَارُهُ مَرْفُوعٌ عَنْ كَعْبِهِ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ.
قَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ».
قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ.
قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟
قَالَ: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي».
فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».
قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ (أَيْ: مُوَلٍّ قَدْ أَعْطَانَا قَفَاهُ).
فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ (أَصْلِ) هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطْبًا (سَهْلًا يُوَاظِبُونَ عَلَى قِرَاءَتِهِ وَيُجَوِّدُونَهُ) لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ (بِمَعْنَى: لَا يُؤَثِّرُ في قُلُوبِهِمْ فَلَا يُرْفَعُ في الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ) يَمْرُقُونَ (يَخْرُجُونَ بِسُرْعَةٍ) مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ». وَأَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ».
وَهَذَا مَا يُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» رَوَاه الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
لَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّشًا لِسَفْكِ الدِّمَاءِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى في جِهَادِهِ الذي أَمَرَ بِهِ، مَا كَانَ يَقْصِدُ مِنْهُ العُدْوَانَ، وَلَا الرَّغْبَةَ في الانْتِقَامِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّشًا لِسَفْكِ الدِّمَاءِ أَبَدًا، إِذْ لَو كَانَ كَذَلِكَ لَمَا نَهَى عَنْ قَتْلِ الشُّيُوخِ وَالنِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَالعُبَّادِ وَالرُّهْبَانِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ، وَبِاللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: «اخْرُجُوا بِسْمِ اللهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ».
وَفي رِوَايَةِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَ الجُيُوشِ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يُخَيِّرُوا العَدُوَّ بَيْنَ ثَلَاثٍ، بَيْنَ الإِسْلَامِ أَو الجِزْيَةِ أَو القِتَالِ، فَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ القِتَالِ، بَلْ حَتَّى أَثْنَاءَ القِتَالِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ المُسْلِمِينَ، لَهُ مَا للمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى المُسْلِمِينَ، وَخَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ.
قَالَ: فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ.
قَالَ: وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ.
قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ.
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا.
قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».
قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ.
وَفي رِوَايَةِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟».
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ.
قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ.
بَلْ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ، نَهْيُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَرَاحَةً عَنْ قَتْلِ مَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَثْنَاءَ المَعْرَكَةِ، وَلَو قَطَعَ يَدَ المُسْلِمِ المُقَاتِلِ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ أَنَّ المِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الكِنْدِيَّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ للهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْتُلْهُ».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ».
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ» أَيْ: مَعْصُومُ الدَّمِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ» أَيْ: مُبَاحُ الدَّمِ بِالقِصَاصِ لَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ في الكُفْرِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ الآخَرِينَ حَسَبَ مَا يَظْهَرُ لَنَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، لَا مِنْ خِلَالِ الظَّنِّ وَالتَّوَقُّعِ، فَنُجْرِيَ الأَحْكَامَ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَنَا مِنْهُمْ، وَنَكِلَ سَرَائِرَهُمْ إلى عَلَّامِ الغُيُوبِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى.
وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ للمُنَافِقِينَ مِنَ الغَنَائِمِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَيُوَرِّثُهُمْ مَعَ عِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مَنَ النَّارِ، فَكَانَ يُعَامِلُهُمْ بِمَا يُظْهِرُونَهُ وَبِمَا يَقُولُونَ.
وَهَذَا هُوَ سَيِّدُنَا الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ يَقُولُ لَنَا مَقُولَةً رَبَّانِيَّةً، كَمَا رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا، أَمِنَّاهُ، وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 5/صفر /1445هـ، الموافق: 21/آب / 2023م
مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ أَنْ جَعَلَهُ اللهُ تعالى أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ، مَا كَانَ يُكِنُّهُ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِرْصٍ عَلَى أُمَّتِهِ، وَعَلَى هِدَايَتِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ، وَخَلَاصِهِمْ مِمَّا ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اخْتَبَأَ دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِينَهُ وَشَرْعَهُ دِينُ يُسْرٍ لَا عُسْرَ فِيهِ، وَدِينُ رَحْمَةٍ لَا غِلْظَةَ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَعْنِي التَّسَاهُلَ في أُمُورِ ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ الرَبَّانِيَّةِ بِالخَلِيقَةِ أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ دِينَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دِينَ ... المزيد
قَالَ اللهُ تعالى في أَصْلِ هَذَا الدِّينِ، وَنِعْمَةِ اللهِ عَلَى البَشَرِيَّةِ بِبِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي ... المزيد