921ـ خطبة الجمعة: سلامة قلب الراعي
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ بِسَلَامَةِ آخِرَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِأَنَّ الرَّاعِيَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَلِيمَ القَلْبِ فَسَدَتْ جَوَارِحُهُ كُلُّهَا، وَإِذَا فَسَدَتْ جَوَارِحُهُ آذَى رَعِيَّتَهُ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ.
وَاسْمَعْ يَا أَيُّهَا الرَّاعِي حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
سَلَامَةُ قَلْبِ الرَّاعِي نَحْوَ رَعِيَّتِهِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الرَّاعِيَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَلِيمَ القَلْبِ وَالصَّدْرِ فَسَدَ وَأَفْسَدَ رَعِيَّتَهُ، وَخَابَ وَخَسِرَ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ رَاعٍ أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوَجِّهُهُ لِرَعِيَّتِهِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَيَا أَيُّهَا الرَّاعِي، تَوَجَّهْ إلى رَعِيَّتِكَ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَقُلْ لَهَا: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
فَمَنْ خَرَجَ إلى رَعِيَّتِهِ وَهُوَ سَلِيمُ الصَّدْرِ عَامَلَهَا بِحُسْنِ الظَّنِّ وَبِالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَمَّا إِنْ خَرَجَ إِلَيْهَا بِقَلْبٍ تَأَثَّرَ بِالقِيلِ وَالقَالِ، وَصَارَ حَاقِدًا مُبْغِضًا لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَوَقَعَ في ظُلْمِ رَعِيَّتِهِ؛ وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كُنْتَ، إِنْ كُنْتَ إِمَامًا، وَإِنْ كُنْتَ زَوْجًا، أَوْ رَاعِيًا لِرَعِيَّةٍ اسْتَرْعَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، وَاحْذَرْ مِنْ أَنْ تُصْغِيَ لِرَجُلٍ نَمَّامٍ جَاءَكَ مُتَزَلِّفًا مُتَمَلِّقًا كَذَّابًا مُنَافِقًا، وَتَعَامَلْ مَعَ النَّمَّامِ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّهِ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللهِ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، لَا تَنْسَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
لَا تَنْخَدِعْ بِنَمِيمَةٍ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ نَمَّ لَكَ نَمَّ عَلَيْكَ.
وَلَا تَقُلْ: الذي نَقَلَ هُوَ صَادِقٌ عِنْدِي، فَلَوْ كَانَ صَادِقًا عِنْدَكَ سَلْهُ وَقُلْ لَهُ: لِمَاذَا تَنْقُلُ هَذَا الكَلَامَ، هَلْ تُرِيدُ بِذَلِكَ إِصْلَاحًا؟ مَا دَامَ هُوَ صَادِقٌ عِنْدَكَ، فَلْيَصْدُقْكَ في قَوْلِهِ: مَاذَا يُرِيدُ مِنْ نَقْلِهِ الحَدِيثَ الجَارِحَ؟
سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ، كَانَ جَالِسًا وَعِنْدَهُ الزُّهْرِيُّ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ فِيَّ وَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا فَعَلْتُ وَلَا قُلْتُ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّ الَّذِي أَخْبَرَنِي صَادِقٌ.
فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّ: لَا يَكُونُ النَّمَّامُ صَادِقًا.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: صَدَقْتَ؛ ثُمَّ قَالَ للرَّجُلِ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ؛ كَذَا في إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ.
فَيَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى حُسْنِ عَلَاقَتِكَ مَعَ رَعِيَّتِكَ، وَذَلِكَ بِإِغْلَاقِ بَابِ النَّمَّامِينَ الذينَ يَعِيثُونَ في الأَرْضِ فَسَادًا، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُوقِعُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَعِيَّتِكَ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 5/ صفر /1446هـ، الموافق: 9/ آب / 2024م
لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد
بِالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَتَزْدَادُ نُورًا يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ فِي النَّاسِ طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إِلَى المَوْتِ، وَيُصْبِحُ ... المزيد
لِيَقِفْ أَدْعِيَاءُ الرَّحْمَةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ العَصِيبَةِ الَّتِي يَشِيبُ لَهَا الوِلْدَانُ مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمِ وَالقَهْر؛ لِيَقِفْ كُلُّ فَرْدٍ وَكُلُّ جَمَاعَةٍ، وَكُلُّ أُمَّةٍ تَدَّعِي الرَّحْمَةَ بِرَعِيَّتِهَا، ... المزيد
الإِنْسَانُ يَعِيشُ حَيَاتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، الَّتِي هِيَ دَارُ عَمَلٍ وَلَا جَزَاءَ، وَالأُخْرَى هِيَ دَارُ الآخِرَةِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الجَزَاءِ وَلَا عَمَلَ. وَمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الدَّارُ بِالدُّنْيَا ... المزيد