922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: سَلَامَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَاسُكِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِحُسْنِ أَخْلَاقِ الرِّاعِي مَعَ رَعِيَّتِهِ، مَعَ سَلَامَةِ طَوِيَّتِهِ وَحُبِّهِ الخَيْرَ للرَّعِيَّةِ، وَإِغْلَاقِ البَابِ أَمَامَ النَّمَّامِينَ، مُنْطَلِقًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الرَّاعِي كُنْ مَضْرِبَ مَثَلٍ في سَلَامَةِ الصَّدْرِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ كُلَّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، يَا أَيُّهَا الإِمَامُ، يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، يَا أَيُّهَا المَسْؤُولُ، اعْلَمْ أَنَّهُ:

لَا يَحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَسْمُو بِهِ الرُّتَبُ   ***   وَلَا يَنَالُ العُلَا مَنْ طَبْعُهُ الغَضبُ

فَلَا تَكُنْ حَاقِدًا عَلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ مَهْمَا كَانَتِ الإِسَاءَةُ، وَاجْعَلْ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُدْوَةً لَكَ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الصَّدْرِ نَحْوَ مَنْ أَسَاءَ، فَعَلَ إِخْوَتُهُ مَا فَعَلُوا، وَبَعْدَ أَنْ صَارَ عَزِيزَ مِصْرَ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الانْتِقَامِ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَظَلَمُوهُ ظُلْمًا لَا يَكَادُ يُصَدَّقُ أَنْ يَصْدُرَ مِن أَخٍ؛ فَقَدْ أَبَى قَلْبُهُ السَّلِيمُ وَشَخْصِيَّتُهُ العَظِيمَةُ التي تَبْحَثُ عَنْ رِضَا رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْتَقِمَ وَيَثْأَرَ لِنَفْسِهِ، فَوَفَّى الكَيْلَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

عَفَا عَنْهُمْ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللهَ تعالى لَهُمْ؛ وَلِمَ لَا، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟

بَلِ الأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ الْتَمَسَ لَهُمُ العُذْرَ فِيمَا فَعَلُوهُ، فَقَالَ لِأَبِيهِ سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.

بَلِ اجْعَلْ يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، يَا أَيُّهَا الإِمَامُ، يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، يَا أَيُّهَا المَسْؤُولُ، بَلِ اجْعَلْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَتَكَ إِذَا أَسَاءَتْ لَكَ رَعِيَّتُكَ، وَتَذَكَّرْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَاذَا حَصَلَ عِنْدَمَا وَقَفَ المُسِيؤُوْنَ أَمَامَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُمْ صَاحِبُ الخُلُقِ السَّامِي الرَّفِيعِ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟».

قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.

قَالَ: «فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ». كَذَا في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا أَيُّهَا الرُّعَاةُ في هَذَا البَلَدِ الكَرِيمِ، وَفي كُلِّ مَكَانٍ، يَا أَيُّهَا الأَئِمَّةُ، يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ، يَا أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، يَا أَيُّهَا المَسْؤُولُونَ: رَسِّخُوا الأُخُوَّةَ الإِيمَانِيَّةَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَعِيَّتِكُمْ، وَتَآخَوْا بِرُوحِ اللهِ بَيْنَكُمْ، وَتَمَيَّزُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، وَالسُّلُوكِ الحَسَنِ، وَكُونُوا قُدْوَةً صَالِحَةً بِأَفْعَالِكُمْ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِكُمْ، وَاسْمَعُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

أَلَا تُرِيدُونَ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟

تَذَكَّرُوا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاشْرَأَبَّتِ الأَعْنَاقُ، وَحَدَّقَتِ الأَبْصَارُ، لِتَرَى مَنْ هَذَا الذي بُشِّرَ بِالجَنَّةِ، بُشِّرَ بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ رَاضٍ عَنْهُ غَيْرِ غَضْبَانَ، وَطَلَعَ ذَاكَ الرَّجُلُ الذي دَخَلَ المَسْجِدَ، وَلِحْيَتُهُ الطَّاهِرَةُ تَنْطِفُ مِنْ وَضُوئِهِ، وَقَدْ حَمَلَ نَعْلَهُ بِشِمَالِهِ.

بِأَيِّ شَيْءٍ نَالَ هَذِهِ البِشَارَةَ؟ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَالَ لِذَاكَ الصَّحَابِيِّ الذي تَبِعَهُ لِيَرَى مَاذَا يَفْعَلُ مِنْ طَاعَاتٍ وَعِبَادَاتٍ، قَالَ لَهُ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الرُّعَاةُ، تَسَامَحُوا مَعَ رَعِيَّتِكُمْ، وَتَصَافَحُوا ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/ صفر /1446هـ، الموافق: 16/ آب / 2024م

 2024-08-15
 681
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

13-09-2024 329 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 329
07-09-2024 827 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 827
29-08-2024 430 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 430
23-08-2024 425 مشاهدة
923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

مَا زَالَ حَدِيثِي يَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 23-08-2024
 
 425
08-08-2024 757 مشاهدة
921ـ خطبة الجمعة: سلامة قلب الراعي

أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ بِسَلَامَةِ ... المزيد

 08-08-2024
 
 757
01-08-2024 1021 مشاهدة
920ـ خطبة الجمعة: أصدق الناس طوية

مُهِمَّتُنَا مُهِمَّةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، قَالَ تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. ... المزيد

 01-08-2024
 
 1021

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5629
المقالات 3189
المكتبة الصوتية 4847
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417356692
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :