الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلقد وقفنا في الدرس الماضي مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) [رواه الترمذي]، وقلنا بأن الحريص على ابنته وعلى أخته وعلى محارمه، وهو ولي أمر هذه الأنثى، عليه أن ينتقي لها صاحب الدين والخلق، حتى يبرئ ذمته بين يدي الله عز وجل يوم القيامة. لا تظن بأنك إذا غاليت في المهر ضمنت حق محارمك، ولا تظن بأنك إذا اشترطت الشروط القاسية على الخاطب فإنك تضمن حق هذه الفتاة، لأن الذي تشترط عليه هذه الشروط إذا لم يكن صاحب دين وخلق، فإنه يتفلت من هذه الشروط بالطريق الذي يعرفه، لأن الاحتيال على البشر حدث عنه ولا حرج.
أما صاحب الدين والخلق فإنه لا يراقب البشر، وإنما يراقب الله عز وجل، وصاحب الدين والخلق هو الذي يقف أمام قول الله عز وجل: {إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: 25-26]، وصاحب الدين والخلق لا يراقب القانون إنما يراقب الله عز وجل من خلال قوله سبحانه: {إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1]، فهو يخاف الله عز وجل. وصاحب الدين والخلق إذا وقع في مخالفة، وتعدى حداً من الحدود، أو ضيع حقاً على أحد، وغفل عنه الحاكم والقاضي وولي الأمر، فهو الذي يذهب على قدميه وباختياره ويقول: إني أذنبت فأقم علي حد الله عز وجل. كما فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله طهِّرْني، فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك؟ فقال: من الزنى [رواه مسلم]. لأن صاحب الدين والخلق لا يخاف القانون، وإنما يخاف الله عز وجل.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول لأولياء الفتيات، سواء كانوا آباء أو إخوة أو غير ذلك: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) [رواه الترمذي]. لأن صاحب الدين والخلق ينظر في الواجب الذي عليه قبل أن ينظر في الحق الذي له.
جاءني بعض الإخوة قال لي على سبيل الدعابة أو الحقيقة: أنت الآن تقف بجانب النساء، وتتحدث عن حقوق النساء على الرجال، لو تكلمت عن حقوقنا على النساء.
أقول: الذي يفكر بالوقوف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة لا يبحث عن الحق الذي له، لأن حقه مضمون، إذا لم يحصل عليه في الدنيا فسيحصل عليه في الآخرة، لأن الله عز وجل لا يضيع حقوق العباد، لذلك كل الذنوب تغفر إذا كانت بينك وبين الله إلا إذا كانت متعلقة بحقوق العباد، ولذلك صار عندنا قاعدة: حقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة. فالذي يفكر في الوقوف بين يدي الله يوم القيامة يفكر دائماً وأبداً في الواجب الذي عليه ليبرئ ذمته بيقين، ثم بعد ذلك إن كان له حق وضاع حقه فإنما ضاع بين الناس، ولكنه ما ضاع عند الله عز وجل، إذاً فحقك مضمون، ولكن الواجب الذي عليك، عليك أن تفكر وتهتم به، وإلا تكون قد ضيعت صلاتك وصيامك وحجك وزكاتك وصدقاتك وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، كل هذه الأمور تضيعها إذا ضيعت الواجب الذي عليك، (يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) [رواه مسلم]. وأول من ستقف للحساب بينك وبينه يوم القيامة الزوجة، {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته} [عبس: 34-36]، إن وقفت الزوجة وكنت قد ضيعت حقها، طالبت بالحق الذي لك ونسيت الواجب الذي عليك، فضيعت حقها، لأن ما كان حقاً لك هو واجب عليك للطرف الآخر، وما كان واجباً عليك هو حق لك على الطرف الآخر، فإذا ضيعت حقوقها ستقف بين يدي الله لتصفي الحساب بينك وبينها، كم مرة احتقرتها؟ وكم مرة أسأت إليها؟ وكم مرة لعنتها ولعنت عائلتها؟ وهل أكلت ميراثها أم لا؟ وهل أخذت ذهبها أم لا؟ وهل أعطيتها صداقها أم لا؟ وهل أنفقت عليها أم لا؟ ولا تقل الحمد لله أنا لست متزوجاً، لأنني سأقول لك: كأنك تقول: الحمد لله أنني لست متبعاً لسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليك أن تتزوج، لأن الله عز وجل ما خلقنا إلا من أجل العبادة، ومن جملة العبادة أن تتزوج، وأن تعطي الزوجة حقها، فإذا جاءت المرأة لتخاصم زوجها ربما أن تذهب الزوجة لا قدر الله بجميع حسناتك.
فإذاً من مصلحتك أن تسمع الواجب الذي عليك، ولا تفكر في الحق الذي لك، لأنه ينبغي أن تكون على ثقة بأنك إذا قمت بالواجب الذي عليك، ضمنت الحق الذي لك، {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60]، ونساؤنا بفضل الله عز وجل أديبات، صاحبات دين وخلق، أروني رجلاً قام بالواجب الذي عليه الذي أمره الله عز وجل به، فكانت زوجته على خلاف ما يريد، أنا على ثقة بأنك إذا قمت بالواجب الذي عليك ملكتَ قلبها، وإذا ملكت القلب ملكت كل شيء، لماذا ترى العارفين بالله يتحققون بالعبودية لله بشكل مطلق؟ لأنهم يرون إحسان الله عز وجل إليهم، فذاب قلبهم حباً لله عز وجل، ولذلك ترى العارف بالله يضحي بكل شيء في سبيل أن يكون الله عز وجل راضياً عنه، وأنت عندما تقوم بالواجب الذي عليك نحو زوجتك، والله الذي لا إله غيره زوجتك ستضحي بكل شيء حتى تكون أنت راضياً عنها، والشواذ لا حكم لهم، فقد يقول أحدنا: سيدنا نوح وسيدنا لوط عليهما الصلاة والسلام، هذا لكل قاعدة شواذ، ربنا عز وجل يعطيك درساً أنك إذا التزمت بالواجب الذي عليك فرأيت الطرف الآخر ينكر هذا المعروف فلا تستغرب، فهذا نبي من الأنبياء ورسول من أولي العزم من الرسل ابتلاه الله عز وجل، ولكن بشكل عام الإحسان يملك القلوب، ومن ملك القلب ملك الرقبة، ولذلك تتحقق رغباتك كلها إذا تحققت أنت بأوامر الله عز وجل.
نتابع حديثنا: لماذا أختار صاحب الدين والخلق لابنتي، لأختي، لمحارمي؟ لأن صاحب الدين والخلق قبل أن يتزوج يبحث في القرآن وفي سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الواجبات التي عليه، كما كان الحال في مجتمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان الرجل يبحث عن الواجب الذي عليه، وكانت المرأة تبحث عن الواجب الذي عليها، وكل يقوم بواجبه، فتأتي امرأة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسأل: يا رسول الله، ما حق الرجل على امرأته؟ قبل أن تتزوج، فتتعلم من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو الواجب الذي عليها نحو زوجها، ففكرت في هذه الواجبات فقالت: يا رسول الله إني لا أستطيع على ذلك، فلا تريد أن تتزوج.
فصاحب الدين والخلق عليه أن يقف أمام قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] يقول سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت ربك يقول في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا}، فأرعها سمعك، فإنه أمر تؤمر به، أو نهي تنهى عنه، وإذا عرفت الآمر هان عليك الالتزام، وأما إذا جهل العبد الآمر يستخف بالأمر. ومن باب ضرب المثل: لو قيل لنا: محافظ حلب، أو رئيس الدولة، أو رئيس مجلس الوزراء أصدر قانوناً، فالجميع يمتثل، لأن فلاناً بيده العصا، وإذا سمعت ربك يقول: {يا أيها الذين آمنوا}، فأرعها سمعك، وسيسألك الله عز وجل عن ذلك. فصاحب الدين والخلق لا يعضل أي لا يضيق على زوجته حتى تفتدي المرأة نفسها من هذا الرجل، إنما يعاملها كما أمر الله عز وجل، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يضيق عليها من أجل المال.
اليوم أكثر شبابنا ورجالنا إذا أبغض امرأته يضيق عليها ويضيق من أجل أي شيء؟ لأنهم كتبوا عليه مهراً كبيراً، ويقولون: حبر على ورق! لا يوجد حبر على ورق لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما رجل أصدق امرأة صداقاً والله يعلم أنه لا يريد أداءه إليها، فغرها بالله واستحل فرجها بالباطل، لقي الله يوم يلقاه وهو زانٍ) [رواه البيهقي وأحمد]. صاحب الدين والخلق يرى أن المهر أمانة في عنقه، فإذا أراد أن يطلق المرأة يقرأ قوله عز وجل: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} ولا يضيق عليها حتى تتنازل له عن المهر والنفقة والذهب من أجل أن يطلقها. ثم وإذا به يأخذها إلى المفتي أو القاضي ويقول: هي التي طلبت الطلاق، فيقول المفتي أو القاضي: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟) [رواه البخاري] أبرئيه من المقدم والمؤخر والنفقة وسائر الحقوق، فتبرئه هذه المرأة لتريح نفسها!
أيها الإخوة: زوِّج ابنتك صاحب الدين والخلق، لأن صاحب الدين والخلق إذا أحبها أكرمها، وإذا كرهها لم يظلمها، لأنه يقف أمام قول الله عز وجل: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي لا يوقعنكم في الجرم وعدم العدل بُغضُكم لقوم بسبب إساءة من الإساءات. فصاحب الدين والخلق لا يضيق على زوجته، ويعاشرها بالمعروف، وينظر إلى قدوته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أيها الرجل: من هو قدوتك؟ إن صح التعبير سلم الدرجات لتصحيح أعمالك هو عمل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك قال ربنا عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]، وانظر إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يتعامل مع نسائه؟ ولو نظرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يتعامل مع نسائه لاحتقرنا أنفسنا، أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويمازح أهله، ويسابق أهله، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل إلى البيت كان يتواضع مع جلالة قدره صلى الله عليه وسلم.
تقول أمنا المبرأة السيدة عائشة رضي الله عنها: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدُن، فقال للناس: تقدَّموا، فتقدموا ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدُنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك صلى الله عليه وسلم ويقول: هذه بتلك [رواه أحمد وأبو داود].
ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم فيرى الحسن والحسين فيحملهما على ظهره ويمشي بهما على أربع ويقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما [رواه الطبراني في الكبير]. وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه كان إذا دخل إلى البيت يتصابى مع مهابته رضي الله عنه، لأن صاحب الدين والخلق يقف أمام قول الله عز وجل: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19]، ويقف أمام قول الله عز وجل: {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34] فلا يفهمه فهماً خاطئاً، لأن الفهم الخاطئ يولد العمل الخاطئ، والعمل الخاطئ يولد الوزر، ولا عذر بالجهل في الأحكام في ديار الإسلام.
{الرجال قوامون على النساء} هل معنى هذه الآية ما فهمناه اليوم حتى وصلت المرأة إلى درجة من الاشمئزاز من هذه الآية، ومعاذ الله أن يشرع ربنا تشريعاً يشمئز منه الرجل أو المرأة، ولكن اشمأزت المرأة من سوء تصرفنا وسوء عَرْضنا، وحسن العرض يحبب الناس في دين الله، وسوء العرض ينفر الناس من دين الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك) [رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة].
لو دخل رجل إلى بيته وقال لامرأته: {الرجال قوامون على النساء} لقالت: ألا تحفظ من القرآن إلا هذه الآية؟ وأنا أُشهد الله عز وجل أننا لو طبقنا هذه الآية كما أمر الله عز وجل لعشقت المرأة هذه الآية، وفي كل يوم قبل أن تخرج من بيتك تقول لك: يا صاحب البيت وسيدي وسيد أولادي تذكر قول الله عز وجل: {الرجال قوامون على النساء}. تدبروا قول الله عز وجل: {الرجال قوامون على النساء} ولم يقل: الأزواج قوامون على الزوجات، فربما أن تكون قيماً على أمك أو أختك أو عمتك أو خالتك أو محارمك ومن جملتها الزوجة. والفهم الصحيح لهذه الآية أننا لو دخلنا على سبيل المثال إلى مستشفى ورأينا مريضاً ووجدنا بجانبه رجلاً ـ ممرضاً أو ممرضة ـ قائماً على هذا الإنسان، فما معنى ذلك؟ أي قائم بالخدمة، والقائم هو الخادم، والمُقام عليه هو المخدوم، و{الرجال قوامون على النساء} إذاً الرجل هو خادم لزوجته، فهي السيدة وهو قائم على شؤونها، يهيئ لها طعامها وشرابها والسكن والنفقة وجميع صور الإحسان. فالمرأة صارت بعرف الإسلام مخدومة والرجل هو الخادم، وهذا أمر متعارف عليه، عندما تتحدث عن الخطوبة: الرجل خاطب والمرأة مخطوبة، وأيهما أغلى الطالب أم المطلوب؟
ولكن للأسف صار المفهوم عند كثير من الناس من قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} أن الرجل سجّان، ويكتم الأنفاس، وحاله أنا ربكم الأعلى، وحاله ما أريكم إلا ما أرى، إلا من رحم ربي، فصاحب الدين والخلق ليس هكذا، وإذا بالواحد منهم يقول لامرأته من الليلة الأولى: إذا أردت أن ترتاحي فاللبن أسود، من البداية بدأنا بالخطأ، هل هكذا يأمرك الله عز وجل؟
{الرجال قوامون على النساء} أي بالإدارة، وهذه القوامة ليست للتفضيل، فعندما يكون الرجل حاكماً أو إماماً أو خطيباً فليس معنى ذلك أنه أفضل من غيره، إنما يقول الله عز وجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، فرب عامل تنظيفات يتقن عمله هو أفضل عند الله عز وجل من رجل عظيم لا يتقن عمله، (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) [رواه الطبراني]، فإذا أتقنت المرأة العمل الذي عليها فهي أفضل عند الله من الرجل، وقوله سبحانه: {الرجال قوامون على النساء} توظيف وتوصيف للعمل لبناء الأسرة الإسلامية الصحيحة، حتى لا تكون الحياة فوضى، فلا بد من إمام ومدير، ولكن هل المدير أفضل من غيره؟
التقيت في هذا اليوم المبارك بأستاذنا الشيخ محمد فوزي فيض الله حفظه الله تعالى، هذا العالم الجليل مربي الأجيال، سأله بعض الإخوة الحاضرين وقال: يا سيدي ما السر بأن كل من تتلمذ على يديك أحبك؟ ففاضت عيناه بالدمع وبكى، ثم قال: والله إن كان في هذا الموضوع سر فالسر فيه أنني كلما دخلت على الطلاب لألقي عليهم درساً أو محاضرة أنظر إليهم أنهم عند الله أفضل مني، لأنهم جاؤوا متواضعين يتعلمون العلم الشريف.
أيها الإخوة: الذي ينظر بهذا المنظار فكيف يكون؟ أما حالنا اليوم فالإمام أفضل من المأموم، والخطيب أفضل من المخطوب عليه، وهكذا كلٌّ يتعالى! فليس معنى قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} أنك أفضل من زوجتك أو أمك أو أختك أو عمتك أو خالتك، {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وإنما المعنى: {الرجال قوامون على النساء} أي قائم بشؤونها، لو قرأنا قول الله سبحانه وتعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] فمعنى القيوم القائم على شؤون خلقه، يُطعِم ولا يُطعَم، {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 56-58] {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} لماذا؟ لأنه قائم على شؤون خلقه، فكأن الله عز وجل يقول لك: عبدي نم بملء جفونك فأنا الذي أرعاك وأتولاك.
فأنت إذا كنت رجلاً قيّماً على النساء فمعنى ذلك أن المرأة ضعيفة وبحاجة إلى رعاية، وليست بحاجة إلى استبداد لأنها ضعيفة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استحللتم فروجهن بكلمة الله) [رواه مسلم]، وجعل الله العصمة بيدك لأن عقلك أوسع من عاطفتك، والمرأة عاطفتها أوسع من عقلها، ليتكامل المجتمع. فلو سألنا: الليل أجمل أم النهار؟ فما الجواب؟ لنقرأ قول الله عز وجل: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون} [القصص: 71-72] فهل تستقيم الحياة بنهار دون ليل؟ أو بليل دون نهار؟ فالسؤال غير صحيح، لكل شيء ميزته، الليل جماله بسواده، والنهار جماله بضيائه، {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 103] وجمال الرجل في عقله، وجمال المرأة في عاطفتها، فشاء الله أن يجعل الليل والنهار متكاملين، وشاء الله أن يجعل الرجل والمرأة متكاملين، المرأة تكمل الرجل، والرجل يكمل المرأة، وأيهما أفضل؟ {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فللمرأة وظيفة، ووظيفتها لا تؤتي ثمارها إلا إذا كانت عاطفية، والرجل لا يؤتي ثماره إلا إذا كان عاقلاً، تصور رجلاً عاطفياً في البيت، فهل يستقيم شأن هذا البيت؟ (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) [رواه البخاري] لأن المرأة عاطفتها أوسع من عقلها، تكوينها هكذا، وهذا هو الكمال بعينه في حقها.
فلذلك صاحب الدين والخلق الذي تزوجه بعض محارمك يقف أمام قول الله عز وجل: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا} فهذه القوامة من أجل الخدمة والرعاية وليست من باب التفاضل، فلو فهمنا هذا وطبقناه تطبيقاً عملياً لعشقت المرأة الإسلام، ولكن عندما ساء فهمنا وساء تطبيقنا نفرت المرأة من دين الله، وطبعاً الذي يتحمل هذا الوزر هو الرجل الذي نفّر المرأة من دينها. ولذلك قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فدين بدون أخلاق منفِّر، وأخلاق بدون دين قد تجعل الإنسان متفلتاً من دين الله عز وجل. ولعلنا نتابع هذا الحديث في الدرس القادم إن أحيانا الله عز وجل. والحمد لله رب العالمين.
** ** **
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد
كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد
صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد
القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد
سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد