28ـ مع الحبيب المصطفى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}

28ـ مع الحبيب المصطفى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

28ـ ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للبَشَرِيَّةِ جَمعاءَ لِيَحكُمَ بينَ النَّاسِ جميعاً، لا بينَ المؤمنينَ فقط، ومن شَرطِ الحُكمِ بينَ النَّاسِ القِيامُ بالعَدلِ فيما يَختَصِمونَ فيهِ، فلا يَقولَنَّ قائِلٌ هذا مسلِمٌ وذاكَ كافِرٌ، فإذا كانَ الحَقُّ معَ الكَافِرِ فلا بُدَّ أن يأخُذَهُ، وإن كَانَ الحَقُّ على المُؤمنِ فلا بُدَّ أن يُؤخَذَ منهُ.

والحُكمُ بالعَدلِ يجعَلُ الذي حُكِمَ لهُ إن كَانَ كَافِراً يَشهَدُ بأنَّ هذا الدِّينَ حَقٌّ، ويُقَرِّعُ نَفسَهُ على أنَّهُ لم يَكُن مُسلِماً مُؤمِناً، كما أنَّهُ يُعَرِّفُ المُسلمَ ساعَةَ يُحكَمُ عليه لِصالِحِ غَيرِ المسلِمِ أنَّ المسألَةَ ليسَت نِسبَةً شَكلِيَّةً إلى الإِسلَامِ، ولكنَّها نِسبَةٌ مَوضوعِيَّةٌ.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الدِّينُ الذي أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِهِ ما جاءَ لِيُحَابي مُسلِماً على أيِّ إنسانٍ آخَرَ، ما جاءَ لِيُحابي قَرِيباً على بَعيدٍ، أو سَيِّداً على مَسودٍ، ما جاءَ لِيُحابي مَحبوباً على مَبغُوضٍ، ولكن جَاءَ لِيَأخُذَ الجَميعَ بِمَنطِقِ الحَقِّ، ويُطَبِّقَ على الجَميعِ مِنهَجَ الحَقِّ، ولِيَكونَ المُسلِمُ دَائماً في جانِبِ الحَقِّ.

قِصَّةٌ لا نَظيرَ لها على وجهِ الأرضِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: قِصَّةٌ ذَكَرَها ربُّنا عزَّ وجلَّ في القُرآنِ العَظيمِ لا نَظيرَ لها على وَجهِ الأرضِ، وما عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ لها شَبِيهاً، هَذهِ القِصَّةُ تَشهَدُ بأنَّ هذا القُرآنَ والدِّينَ هوَ من عِندِ الله تعالى خالِقِ البَشَرِ، لأنَّ البَشَرَ مَهمَا ارتَفَعَ تَصَوُّرُهُم، ومَهمَا صَفَت أَروَاحُهُم، ومهما استقَامَت طَبَائِعُهُم لا يُمكِنُ أن يَرتَفِعوا إلى هذا المستَوى بأنفُسِهِم.

يقولُ اللهُ تبارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: جاءَ في أسبابِ نُزولِ هذهِ الآيَاتِ الكريمَةِ: أنَّ رَجُلاً من الأنصارِ يُقالُ له: طُعمَةُ بنُ أُبَيرِق، من بني ظَفَر بن الحارث، سَرَقَ دِرعاً من جارٍ له يُقالُ له: قَتادَةُ بنُ النُّعمانِ، وكانَت الدِّرعُ في جُرابٍ فيهِ دَقيقٌ، فَجَعَلَ الدَّقيقُ يَنتَثِرُ من خِرْقٍ في الجُرابِ حتَّى انتهى إلى الدَّارِ، ثمَّ خَبَّأها عندَ رَجُلٍ من اليَهودِ يُقالُ له: زَيدٌ بن السَّمينِ.

فالتُمِسَتِ الدِّرعُ عندَ طُعمَةَ، فَحَلَفَ بالله ما أخَذَها وما لَهُ بها مِن عِلمٍ.

فقالَ أصحابُ الدِّرعِ: لقد رَأينا أثَرَ الدَّقيقِ حتَّى دَخَلَ دَارَهُ، فلمَّا حَلَفَ تَرَكوهُ واتَّبَعوا أثَرَ الدَّقيقِ إلى مَنزِلِ اليَهودِيِّ فَأَخَذوهُ منهُ.

فقالَ اليَهودِيُّ: دَفَعَها إليَّ طُعمَةُ بنُ أُبَيرِق، وشَهِدَ له أناسٌ من اليَهودِ على ذلكَ.

فجاءَ بَنو ظَفَر ـ وهم قومُ طُعمَةَ ـ  إلى رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وسَأَلوهُ أن يُجادِلَ عن صَاحِبِهِم، وقالوا له: إنَّكَ إنْ لم تَفعَل افتَضَحَ صَاحِبُنا، فَهَمَّ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُعاقب اليَهُودي. فأنزَلَ اللهُ تبارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾.

الحَقُّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: تِسعُ آياتٍ في كِتابِ الله تعالى أنزَلَها ربُّنا عزَّ وجلَّ على قَلبِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَّأتِ اليَهُودِيَّ مِنَ السَّرِقَةِ، وفَضَحَت من انتَمى إلى الإسلامِ ظَاهِراً حيثُ كَانَ من المُنافقينَ، وكانَ هذا في وَقتٍ كانَ اليَهودُ فيهِ يُطلِقُونَ كُلَّ سِهامَهُمُ المَسمومَةِ نَحوَ الإسلامِ، ويَنشُرونَ الأكاذيبَ، ويُؤَلِّبونَ المُشركينَ، ويُشَجِّعونَ المُنافقينَ، ويَطعَنُونَ في سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ويُشَكِّكونَ في الوحيِ والرِّسالَةِ.

في هذا الوقتِ الحَرِجِ الخَطِرِ الشَّدِيدِ الخُطورَةِ، جاءَت هذهِ الآياتُ، لأنَّ الحَقَّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ، دُونَ النَّظَرَ إلى عَقيدَةِ المَظلومِ، ودُونَ النَّظَرِ إلى ظَاهِرِ الظَّالِمِ.

جاءَت هذهِ الآياتُ لِتُبرِئَ اليَهودِيَّ وتَدينَ من كانَ ظَاهِرُهُ الإسلامُ، واليَهودُ هُمُ اليَهودُ الذينَ قالَ اللهُ تعالى عنهُم: ﴿لَتَجِدَنَّ أشَدَّ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود﴾. وقالَ فيهِم: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. وقالَ فيهِم: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله﴾. وقالَ فيهِم: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾.

المسألَةُ هيَ إقامَةُ العَدلِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنَّ هذهِ القَضِيَّةَ لم تَكُن مُجَرَّدَ تَبرِئَةِ بريءٍ، وإن كانَت تَبرِئَةُ البَرِيءِ أمراً عَظِيماً في المِيزانِ عندَ الله تعالى، إنَّما كَانَت أكبَرَ من ذلكَ، كانَت إقامَةَ المِيزانِ الذي لا يَمِيلُ مَعَ الهَوى، ولا معَ العَصَبِيَّةِ، ولا يَتَأرجَحُ معَ المَوَدَّةِ والشَّنَآنِ أيَّاً كانَتِ المُلابَساتُ والأَحوَالُ.

كانَتِ المسألَةُ تَطهيراً للمُجتَمَعِ الجَديدِ الذي سَيَكونُ قُدوَةً للبَشَرِيَّةِ جَمعاءَ إلى يومِ القِيامَةِ.

ولَقَد كَانَ بالإِمكَانِ الإغضَاءُ عن هذا الحَدَثِ، أو عَدَمَ التَّشديدِ فيهِ، أو التَّنديدِ بِهِ، وكَشفِهِ هكذا لِجَميعِ النَّاسِ، حتَّى صارَ قُرآناً يُتلى إلى يومِ القِيامَةِ.

لقد كانَت هناكَ أسبابٌ لِطَويِ هذا الحَدَثِ، من جملَتِها:

أولاً: أنَّ المتَّهَمَ يَهودِيٌّ، وهوَ وَاحِدٌ من هَؤلاءِ الذينَ لا يَدَعُونَ سَهماً مَسمُوماً إلا أطلَقُوهُ على الإسلامِ والمُسلِمِينَ، هوَ مِنَ اليَهودِ الذينَ ذَاقَ مِنهُمُ الُمسلِمونَ الأمَرَّينِ، هوَ من اليَهودِ الذينَ لا يَعرِفونَ حَقَّاً ولا عَدلاً ولا نَصَفَةً، ولا يُقِيمُونَ للأخلاقِ أيَّ قِيمَةٍ في تَعامُلِهِم معَ المُسلِمينَ.

ثانياً: هناكَ سَبِبٌ آخَر لِطَويِ هذا الحَدَثِ، وهوَ أنَّ الأمرَ يَتَعَلَّقُ بالأنصارِ الذينَ آوَوا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ونَصَروهُ، والذينَ قد يُوجِدُ هَذا الحَدَثُ بينَ بعضِهِمُ البعضِ الضَّغائِنَ.

ثالثاً: هناكَ سَبَبٌ ثالِثٌ لِطَويِ هذا المَوضوعِ، وهوَ عَدَمُ إعطَاءِ اليَهودِ سَهماً جَديداً يُوَجِّهونَهُ للأَنصارِ، وهوَ أنَّ بَعضَهُم يَسرِقُ بَعضَاً، ثمَّ يَتَّهِمونَ اليَهودَ، ومن الطَّبيعِيِّ أن لا يَدَعَ اليَهودُ هذهِ الفُرصَةَ تُفلِتُ من يَدِهِم.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الأمرُ كانَ أكبَرَ من هذا كُلِّهِ، كانَ أكبَرَ من كُلِّ هذهِ الاعتِباراتِ الصَّغيرَةِ، الصَّغيرَةُ في حِسابِ الإسلامِ، كانَ أمرَ تَربِيَةِ هذهِ الجَماعَةِ المؤمِنَةِ، لِتَكونَ أهلاً للنُّهوضِ بأَعباءِ الخِلافَةِ في الأرضِ، ولِتَحكُمَ بينَ النَّاسِ بالعَدلِ المجَرَّدِ من المَصالِحِ القَريبَةِ الظَّاهِرَةِ، ولِتَنهَضَ بهذا المِنهَجِ وتَنشُرَهُ.

ولا أُريدُ أن أتَحَدَّثَ عن العَفَنِ الذي يُسَمِّيهِ الشَّرقُ أو الغَربُ عَدَالةً، وإنِّي على يقينٍ بأنَّهُ ما من عاقِلٍ إلا وهوَ يعرِفُ هذا العَفَنَ الذي تُصَدِّرُهُ الأمَمُ المعاصِرَةُ للمسلِمينَ باسمِ العَدلِ والعَدالَةِ، حتَّى انساقَ أَذنَاب المُسلِمينَ فَصَدَّقوهُم، وبعدَ ذلكَ عَضُّوا أياديهِم من النَّدَمِ وَلاتَ ساعَةِ مَندَمٍ.

ما يُستَفادُ من هذهِ الآياتِ الكريماتِ:

أولاً: لقد وَصَفَ اللهُ تعالى هؤلاءِ بالخَوَنَةِ، فقال تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾. ومن خَانَ نفسَهُ خَانَ غَيرَهُ، وخَانَ الأمَّةَ، فكانَت عُقوبَتُهُم أنَّ اللهَ تعالى لا يُحِبُّهُم.

ثانياً: القَبيحُ في الإنسانِ أنَّهُ يَستَخفِي ممَّن لا يَملِكُ له نَفعاً ولا ضَرَّاً، ويَظُنُّ أنَّهُ يَستَخفي ممَّن هوَ مُطَّلِعٌ على نِيَّاتِهِ، قال تعالى في حَقِّ هَؤلاءِ: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾. فأينَ يَذهَبُ هؤلاءِ بما يُبَيِّتونَ؟

ثالثاً: من يُجادِلُ عن خَائِنٍ في الحَياةِ الدُّنيا، هَل بِوُسعِهِ أن يُجادِلَ عنهُ في الآخِرَةِ؟ قال تعالى: ﴿هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾. اللَّهُمَّ لا مُجادِلَ عنهُم يومَ القِيامَةِ ولا  وَكيلَ، فما يَنفَعُ عنهُمُ الجَدَلُ في الحَياةِ الدُّنيا؟

رابعاً: ربُّنا عزَّ وجلَّ يُوَضِّحُ لنا كيفَ يُعامِلُ عِبادَهُ، ولَعَلَّ العِبادَ أن يُعامِلوا بَعضَهُم بَعضاً بها، قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾.

فاللهُ تعالى غَفُورٌ رَحيمٌ، يَستَقبِلُ المستَغفِرينَ في كُلِّ حِينٍ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». بلا قَيدٍ ولا شَرطٍ ولا حِجابٍ ولا بَوَّابٍ.

خامساً: من عَدلِهِ تبارَكَ وتعالى، أنَّهُ لا يَحمِلُ أحَدٌ تَبِعَةَ أحَدٍ، قال تعالى: ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾. فليسَ هناكَ خَطِيئةٌ مَورُوثَةٌ في الإسلامِ، كما أنَّهُ ليسَ هُناكَ كفَّارَةٌ غَيرَ الكفَّارَةِ التي تُؤَدِّيها النَّفسُ عن نَفسِها.

سادساً: رَميُ البَريءِ إِثمٌ بِحَدِّ ذَاتِهِ، فَكيفَ إذا ارتَكَبَ العَبدُ الإِثمَ ثمَّ افتَرى على الغَيرِ بأنَّهُ هوَ الذي ارتَكَبَهُ؟ قال تعالى: ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الإسلامُ جاءَ بالعَدالَةِ، وحاسَبَ كُلَّ فردٍ على ما اجتَرَحَ دونَ النَّظرِ إلى عقيدَةٍ أو مِلَّةٍ أو مَنزِلَةٍ، وفي الوَقتِ ذاتِهِ فَتَحَ بابَ التَّوبَةِ والمَغفِرَةِ على مِصراعَيهِ، وحَذَّرَ مُرتَكِبَ الخطيئةِ والإثمِ أن يُبرِئَ نَفسَهُ ثمَّ يَتَّهِمَ الآخَرينَ الأبرِياءَ، وفَضلُ الله تعالى على عبدِهِ عظِيمٌ إذ دَفَعَهُ للتَّحلِّي بِصِفَةِ العَدلِ عندما يَتَعامَلُ مع نفسِهِ ومعَ الآخَرينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما يُرضيكَ عنَّا، وَوَفِّقنا لِعَرضِ الإسلامِ العَرضَ الصَّحيحَ الذي جاءَ بِهِ سيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 19/جمادى الثانية /1434هـ، الموافق:29/نيسان/ 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2372 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2372
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1848 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1848
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948931
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :