57 ـ مع الحبيب المصطفى: والله لو تعلمون ما أعلم

57 ـ مع الحبيب المصطفى: والله لو تعلمون ما أعلم

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

57 ـ والله لو تعلمون ما أعلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: حَقُّ الله تعالى على خَلقِهِ أن يَعبُدوهُ لا يُشرِكوا به شيئاً، وحَقُّهُم على الله تعالى فَضلاً وتَكَرُّماً أن لا يُعَذِّبَهُم وأن يُدخِلَهُمُ الجَنَّةَ.

روى الإمام مسلم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ ـ  العُودُ الذي يَكونُ خَلفَ الرَّاكِبِ ـ

فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ. ـ لبَّيكَ: أي: إجابَةً بعدَ إجابَةٍ، وسَعدَيكَ: أي: ساعَدتُ طاعَتَكَ مُساعَدَةً بعدَ مُساعَدَةٍ ـ

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ.

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ.

قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى الْعِبَادِ؟».

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ الله عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً».

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ.

قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ».

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ».

الطَّائِعُ حَبيبُ الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: العَبدُ إذا عَمِلَ بطاعَةِ الله تعالى أحَبَّهُ اللهُ تعالى ورَضِيَ عنهُ، وإذا أحَبَّهُ ورَضِيَ عنهُ حَبَّبَهُ إلى خَلقِهِ وجَعَلَ لهُ وُدَّاً في قُلوبِهِم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدَّاً﴾.

وإذا العَبدُ عَمِلَ بِمَعصِيَةِ الله تعالى أبغَضَهُ اللهُ تعالى وَسَخِطَ عليه، وإذا أبغَضَهُ وسَخِطَ عليه بَغَّضَهُ إلى خَلقِهِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَاناً فَأَحِبَّهُ.

قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَاناً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ.

قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ.

وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَاناً فَأَبْغِضْهُ.

قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَاناً فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ.

قال: ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ».

أيُّها الإخوة الكرام: والعَبدُ إذا صَارَ مَحبوباً عِندَ الله تعالى كانَ مُسَدَّداً في أقوالِهِ وأفعالِهِ، وكَانَ مُؤَيَّداً من الله تعالى ومَحفوظاً، كما جاءَ في الحديث الشَّريف الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».

«والله لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ»:

أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لمن تَمَرَّدَ على أوامِرِ الله تعالى، ولمن أعرَضَ عن الله تعالى: تَمَرُّدُكَ على أَوَامِرِ الله تعالى، وإعراضُكَ عنهُ هوَ في الحَقيقَةِ خَسارَةٌ لكَ، لأنَّ اللهَ تعالى غَنِيٌّ عنكَ وعن العالمينَ، ولو أرادَكَ لأَتَى بكَ طَوعَاً أو كَرهَاً.

روى الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ ـ الأطيطُ: صوتُ الأقتابِ، وأطيطُ الإبلِ صَوتُها وحَنينُها ـ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً لله، والله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ ـ الطُّرُق ـ تَجْأَرُونَ إِلَى الله ـ تَرفَعونَ أصواتَكُم بالدُّعاءِ ـ»

فقالَ أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ ـ تُقطَع ـ

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: أدُّوا اللهَ تعالى حَقَّهُ في سائِرِ الأحوالِ، وخاصَّةً في زَمَنِ الهَرجِ، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه الإمام مسلم عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنا لذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 20/رمضان/1434هـ، الموافق: 28/تموز / 2013م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2371 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2371
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1847 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1847
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414938797
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :