954ـ خطبة الجمعة: يوم المولد يوم مولد المجد
مُقَدِّمَةُ الخُطْبَةِ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللهِ: فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ وُلِدَ يَوْمُ المَجْدِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الـشَّرِيفِ جَاءَتِ البِشَارَاتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لِتَكُونَ أُمَّةً مَتْبُوعَةً لَا تَابِعَةً، لِتَكُونَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.
فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ وُلِدَ المَجْدُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ المَجْدَ، وَلَا مَجْدَ لِلْعَبْدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْبُوبًا عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فِي يَوْمِ المَوْلِدِ وُلِدَ المَجْدُ وَالعِزَّةُ وَالكَرَامَةُ وَالشَّهَامَةُ، وَوُلِدَتْ فِيهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لِمَنْ أَرَادَهَا.
يَا عِبَادَ اللهِ، بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، جُعِلَ الْمِعْيَارُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ يَدَّعِي مَحَبَّةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي﴾:
يَا عِبَادَ اللهِ، فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، يَوْمِ وِلَادَةِ المَجْدِ، أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
لِنَكُنْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ حَقًّا، لِنَكُنْ مِنْ أَسْعَدِ النَّاسِ حَقًّا، لِنَكُنْ مِمَّنْ جَعَلَ هَدَفَهُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنْ نَصِلَ إِلَى أَلْطَفِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلَا وَهِيَ: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
أَنْ نَصِلَ إِلَى هَذَا المَجْدِ الَّذِي وَصَلَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَيْثُ نَالَ هَذَا المَجْدَ وَهَذِهِ المَكْرُمَةَ بِشَهَادَةِ الصَّادِقِ الأَمِينِ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَكَانَ الرَّجُلُ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ، المَجْدُ كُلُّ المَجْدِ فِي اتِّبَاعِ صَاحِبِ الذِّكْرَى، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
المَجْدُ كُلُّ المَجْدِ لِمَنْ جَعَلَ حَادِيَهُ الَّذِي يَحْدُو بِقَلْبِهِ فِي بَيْدَاءِ الدُّنْيَا: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾، حَتَّى يَصِلَ إِلَى شَاطِئِ السَّلَامَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَحَتَّى يَصِلَ إلى هَذَا الـشَّرَفَ الَّذِي مَا بَعْدَهُ شَرَفٌ: ﴿يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
المَجْدُ كُلُّ المَجْدِ، وَالعِزُّ كُلُّ العِزِّ، وَالفَخَارُ كُلُّ الفَخَارِ، لِمَنْ جَعَلَ فِي دَاخِلِهِ نِدَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾، سَعَادَةٌ لَا تُقَابِلُهَا سَعَادَةٌ.
يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا يَوْمَ المَوْلِدِ، يَوْمَ المَجْدِ وَالعِزَّةِ وَالكَرَامَةِ، قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾. لَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَى مُحِبًّا لَهُمْ لَمَا عَذَّبَهُمْ، وَمَا عَذَّبَهُمْ إِلَّا بِإِعْرَاضِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَنْظُرْ إِلَى قُلُوبِنَا، وَمَاذَا يُوجَدُ فِيهَا مِنْ حُبٍّ، وَلِمَنْ نُحِبُّ؟
إِذَا كَانَ حُبُّ الهَائِمِينَ مِنَ الوَرَى *** بِلَيْلَى وَسَلْمَى يَسْلُبُ اللُّبَّ وَالعَقْلَا
فَمَاذَا عَـسَى أَنْ يَفْعَلَ الهَائِمُ الَّذِي *** سَرَى قَــلْبُهُ شَوْقًا إِلَى العَالَمِ الأَعْلَى؟
نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، إِنَّ مَجْنُونَ لَيْلَى قَتَلَهُ حُبُّ امْرَأَةٍ، وَقَارُونَ قَتَلَهُ حُبُّ المَالِ، وَفِرْعَوْنَ قَتَلَهُ حُبُّ المَنْصِبِ وَالجَاهِ وَالسِّيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ.
أَمَّا سَيِّدُنَا جَعْفَرٌ، وَسَيِّدُنَا حَمْزَةُ، وَسَيِّدُنَا حَنْظَلَةُ، وَأَهْلُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، فَقَدْ قَدَّمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الحُبِّ الأَقْدَسِ، فِي سَبِيلِ نَيْلِ هَذَا الشَّرَفِ العَظِيمِ: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: وُلِدَ الحَبِيبُ الأَعْظَمُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي خَاطَبَنَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ لِنَنَالَ شَرَفَ المَحْبُوبِيَّةِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِنَنَالَ دُخُولَ الجَنَّةِ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ جَمِيعَ السُّبُلِ مُقْفَلَةً وَمُغْلَقَةً أَمَامَ الجَمِيعِ، إِلَّا مَنْ سَلَكَ نَهْجَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَيَا مَنْ يَشْعُرُ بِالحَاجَةِ لِلْمَتْبُوعِ الأَعْظَمِ، صَاحِبِ الذِّكْرَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كُنْ حَرِيصًا عَلَى هَدَفِكَ وَأَنْتَ تَمْشِي فِي مَتَاهَاتِ الدُّنْيَا وَدُرُوبِ الحَيَاةِ، وَهَدَفُكَ هُوَ أَنْ تَمْتَثِلَ أَمْرَ مَنْ يَقُولُ لَكَ: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾.
عَلَيْنَا بِالِاتِّبَاعِ قَوْلًا، وَفِعْلًا، وَسُلُوكًا، وَخُلُقًا، وَنِيَّةً، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي سَائِرِ أَحْوَالِنَا.
وَرَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ:
وُلِــدَ المَجْدُ يَوْمَ مَوْلِدِ طَـــــهْ *** يَـــا لَعَهْدٍ مَــا مِثْلُهُ أَيُّ عَــــهْدِ
عَاشَ طَهْ يَبْنِي مِنَ المَجْدِ مَـا لَا *** يَسْتَطِيعُ بَــنَاءَهُ أَيُّ فَــــــــــرْدِ
وَتَــنُوءُ بِهِ جُــهُودُ المَلَايِــــينِ *** وَيَبْقَى فِي المَجْدِ رَمْــزُ الــتَّحَدِّي
غَيْرَ أَنَّ الــظَّلَامِ عَـــادَ عَـــلَى *** الدُّنْيَا وَعَادَتْ أَخْلَاقُــنَا لِلْتَّرَدِّي
يَا رَسُولَ الْأَخْلَاقِ إِنَّـــا شُغِلْنَا *** عَنْ سَجَايَا الْعُلَا بِمَا لَيْسَ يُجْدِي
وَبَقَيْنَا فِي التَّيْهِ نَمْشِي بِـــلا هَـادٍ *** وَلَمْ نَدْرِ مَـــــا نُعِيدُ وَنُبْـــدِي
وَإِذَا مَا الرُّعَاةُ ضَلُّوا فَـقَدْ ضَـاعَ *** الْقَطِيعُ وَلَمْ يَفِـــدْ أَيُّ جُـــهْدٍ
مَجْدُنَا كَانَ لَا يُـــضَاهِيهِ مَجْــــدٌ *** كَيْفَ صِرْنَا وَمَا لَــنَا أَيُّ مَجْدٍ؟
اعْتَرَفْنَا بِــمَا اقْتَرَفْنَا فَـــــيَا رَبِّ *** اعْفُ عَنَّا فَلَيْسَ غَيْرُكَ يَـهْدِي
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.
أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 6/ربيع الأول /1447هـ، الموافق: 29/ آب / 2025م
الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد
مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد
العَدْلُ وَالْإِنصَافِ عَزِيزَانِ بَيْنَ النَّاسِ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الإِنسَانِ أَنَّهُ مَيَّالٌ لِلظُّلْمِ وَمُحِبٌّ لِلْجَهْلِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. إِلَّا مَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانَهُ، وَاتَّبَعَ ... المزيد
حَتَّى نَفُوزَ بِطُوبَى لَا بُدَّ أَنْ نَسْمَعَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصْبِحُوا آمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، مُطْمَئِنِّينَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، لَا يَخَافُونَ ظُلْمَ ظَالِمٍ، وَلَا جَوْرَ جَائِرٍ، وَلَا خِيَانَةَ خَائِنٍ، وَقَدْ أَشَارَ سَيِّدُنَا ... المزيد
امْتِحَانُ الدُّنْيَا يَسْتَعِدُّ لَهُ الطُّلَّابُ، وَيَبْذُلُونَ جُهْدًا لِذَلَكَ مَشْكُورًا؛ وَلَكِنْ لَوْ تَأَمَّلْنَا هَذَا الاهْتِمَامَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الامْتِحَانِ الهَيِّنِ اليَسِيرِ، وَقِلَّةَ اهْتِمَامِنَا، وَشِدَّةَ غَفْلَتِنَا ... المزيد