150ـ كلمات في مناسبات
﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ الَّذِي رَسَخَ إِيمَانُهُ فِي قَلْبِهِ أَيَّامَ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَالزَّلَازِلِ يَزْدَادُ إِيمَانًا إِلَىٰ إِيمَانِهِ، وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
أَمَّا غَيْرُهُ فَالْفِتَنُ وَالْمَصَائِبُ وَالْمِحَنُ تَزِيدُهُ خَوْفًا إِلَى خَوْفِهِ، وَفَزَعًا إِلَى فَزَعِهِ، وَخَوَرًا إِلَى خَوَرِهِ، وَجُبْنًا إِلَى جَبْنِهِ، يَذْبَحُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ بِسَيْفِ التَّوَقُّعَاتِ وَالْأَرَاجِيفِ وَالْأَوْهَامِ، فَهُوَ فِي انْزِعَاجٍ دَائِمٍ وَقَلَقٍ مُتَوَاصِلٍ، ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾. يَضْطَرِبُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَيُحَطِّمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَهْدِمُ كِيَانَهُ بِيَدِهِ.
فَالْمُؤْمِنُ الْحَقُّ ثَابِتُ الْجَأْشِ، رَاسِخُ الْيَقِينِ، يَسْتَقْبِلُ الْأَحْدَاثَ بِقُوَّةٍ وَجَلَدٍ، وَيَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾. فَهُوَ أَصْلَبُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَأَرْسَى مِنَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ، وَهُوَ عَلَى الْوَعْدِ الَّذِي لَا يُخْلَفُ: ﴿فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾. ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.
فَالْمُؤْمِنُ الْحَقُّ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾. وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. وَمِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَهُوَ يُعْطِي لِلْقَضِيَّةِ حَجْمَهَا وَوَزْنَهَا وَقَدْرَهَا، لِأَنَّ هَمَّهُ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الدُّعَاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ جَعَلَ هَمَّهُ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَبَيْنَ مَنْ جَعَلَ هَمَّهُ الدُّنْيَا، فَمَنْ كَانَ هَمُّهُ الدُّنْيَا حَطَّمَتْهُ التَّوَافِهُ وَالْأَشْيَاءُ الْحَقِيرَةُ الَّتِي لَا تُذْكَرُ.
أَمَّا مَنْ جَعَلَ هَمَّهُ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَإِنَّهُ يَرْضَى بِمَا قَسَمَهُ اللهُ تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، بَلْ وَيَرْضَى بِأَقَلَّ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَدُونَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَتَرَى لِسَانَهُ يَلْهَجُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا يُوَافِي نِعَمَكَ وَيَدْفَعُ نِقَمَكَ؛ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتِ؛ الْحَمْدُ للهِ عَلَى هَذَا الْحَالِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ.
فِي الْخِتَامِ أَقُولُ لِنَفْسِي وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ: يَا عَبْدَ اللهِ، اصْبِرْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مُرًّا، مَا دُمْتَ عَلَى الاسْتِقَامَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
فَيَا صَاحِبَ الابْتِلَاءِ، اصْبِرْ، وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ، وَاسْتَحْضِرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾. وَهَذَا الصَّبْرُ لَيْسَ بِسَبَبِ الضَّعْفِ، بَلْ لِتُلْقِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالدُّعَاةِ الشَّفَقَةَ وَالرَّحْمَةَ عَلَى النَّاسِ، أَكْثَرَ مِنْ شَفَقَةِ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِهَا الَّذِي يُؤْذِيهَا فَتَرْحَمُهُ، لِأَنَّهَا تَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُ، تَعْلَمُ نَتِيجَةَ عُقُوقِ الْأُمِّ، فَتَرْحَمُهُ.
يَا صَاحِبَ الابْتِلَاءِ، تَذَكَّرْ سَيِّدَِنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، صَاحِبَ الرَّحْمَةِ الْمَهْدَاةِ، وَهُوَ يُخَاطِبُ النَّاسَ جَمِيعًا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَتِهِمْ، وَكَانَ أَعْدَاؤُهُ حَرِيصِينَ عَلَىٰ قَتْلِهِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ.
هَمُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِدَايَتُهُمْ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللهِ لَهُمْ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
لِذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى هِدَايَتِهِمْ، بَلْ كَانَ يَدْعُو لَهُمْ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لِأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا مَا عَلِمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَا عَادَوْهُ، بَلْ لَأَحَبُّوهُ وَأَطَاعُوا أَمْرَهُ، وَلَكِنْ لِجَهْلِهِمْ حَارَبُوهُ وَفَكَّرُوا فِي قَتْلِهِ.
وَمَوَاقِفُهُمْ هَذِهِ مَا غَيَّرَتْ وَلَا بَدَّلَتْ مِنْ خُلُقِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.
بَلْ كُلَّمَا زَادُوا فِي إِيذَائِهِ ازْدَادَ رَحْمَةً وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَرِيزَةُ الانْتِقَامِ لِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ.
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَيَقُولُ مُخَاطِبًا حَبِيبَهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.
رَبَّنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيْنَا غَضَبٌ فَلَا نُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لَنَا، فَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
أحمد شريف النعسان
** ** **
كُونُوا عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ تَعْطِيلِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ... المزيد
هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ يُؤْخَذُ بِالتَّلَقِّي مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ المُتَحَقِّقِينَ بِالعِلْمِ، لَقَدْ أَخَذَ الصَّحْبُ الكِرَامُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ ... المزيد
يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ العِلْمِ المُوصِلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ ـ أَيْ: بِالعِلْمِ ـ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ المُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الكَمَالِ وَالتَّمَامِ، ... المزيد
قِيلَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا صَلَّيْتَ مَعَنَا لِمَ لَا تَجْلِسُ مَعَنَا؟ قَالَ: أَذْهَبُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قُلْنَا لَهُ: وَمِنَ أَيْنَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ؟ قَالَ: أَذْهَبُ أَنْظُرُ ... المزيد
مَوْعِظَةٌ مِنْ مَوَاعِظِ سَيِّدِ القُرَّاءِ سَيِّدِنَا أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَتَعَلَّمُوهُ لِتَتَجَّمَلُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُمْ ... المزيد
هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ قَدْ أَقْبَلَتْ، لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةُ فَضْلٍ وَجُودٍ وَخَيْرٍ عَظِيمٍ، حَيْثُ يَتَجَلَّى اللهُ تعالى فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ بِالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ وَقَضاءِ الحَاجَاتِ، لِنَغْتَنِمْ ... المزيد