الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: سُوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَحْظُورٌ شَرْعَاً، وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَسُوءُ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِينَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ وَخَاصَّةً في حَقِّ ظَاهِرُهُمُ العَدَالَةُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضَا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانياً: حُسْنُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ مَطْلُوبٌ، يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ شَرَّاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهُ فِي الْخَيْرِ مَحْمَلَاً. رواه البيهقي.
وَيَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيكَ الشَّيْءُ تُنْكِرُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْرَاً وَاحِدَاً إِلَى سَبْعِينَ عُذْرَاً، فَإِنْ أَصَبْتَهُ؛ وَإِلَّا قُلْ: لَعَلَّ لَهُ عُذْرَاً لَا أَعْرِفُهُ. رواه البيهقي.
ثالثاً: أَمَّا عِلَاجُ سُوءِ الظَّنِّ، فَقَدْ أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «ثَلَاثٌ لَازِمَاتٌ لِأُمَّتِي: الطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ، وَسُوءُ الظَّنِّ».
فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّنْ هُوَ فِيهِ؟
قَالَ: «إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ اللهَ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وبناء على ذلك:
فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالنَّاسِ، عَلَيْكَ بِامْتِثَالِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ».
عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ وَتَخَلَّصْ مِنْ عُيُوبِهَا، وَاشْتَغِلْ بِإِصْلَاحِهَا وَتَقْوِيمِهَا، فَمَنْ عَرَفَ عُيُوبَ نَفْسِهِ تَوَاضَعَ للهِ تعالى وَلِلنَّاسِ، وَخَاطِبْ نَفْسَكَ بِمَا قَالَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَلِيمَاً مِنَ الأَذَى *** وَحَظُّكَ مَـوْفُورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ
لِـسَـانَكَ لَا تَـذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ *** فَـكُـلُّكَ عَـوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَـيْـنَكَ إِنْ أَبْـدَتْ إِلَيْكَ مَـعَايِبَاً *** فَصُنْهَا وَقُلْ يَـا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ
وَعَلَيْكَ اسْتِحْضَارَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ التي حَذَّرَتْ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ.
وَعَلَيْكَ أَنْ تَسْتَحْضِرَ جَوَانِبَ الخَيْرِ فِيمَنْ أَسَأْتَ الظَّنَّ فِيهِ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ فِيهِ مِنَ الخَيْرِ كَمَا فِيهِ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ، فَلَا تُلْقِي حَسَنَاتِهِ الكَثِيرَةَ بِسَيِّئَةٍ مِنَ السَّيِّئَاتِ.
وَعَلَيْكَ بِالاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ تعالى مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ إِفْسَادَ العَلَاقَةِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الآخَرِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |