153ـ كلمات في مناسبات: كن حريصًا على النجاح
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَالنَّجَاحُ سُنَّةٌ فِي هَذَا الكَوْنِ، أَرَادَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ تَكُونَ غَايَةً لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُؤْمِنٍ؛ وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ خَلَقَ لَهُمْ هَذَا الكَوْنَ قَبْلَ خَلْقِهِمْ، وَجَعَلَهُ مُسَخَّرًا لَهُمْ لِتَحْقِيقِ تِلْكَ الغَايَةِ.
وَحَتَّى يُحَقِّقَ العَبْدُ النَّجَاحَ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُخْرَوِيَّةِ طَلَبَ مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَأَنْ يَتَحَقَّقَ بِالعُبُودِيَّةِ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَجَعَلَ ذَلِكَ غَايَةَ الخَلْقِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وَعَدَّ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنْ مَاتَ عَلَى العُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ النَّاجِحَ وَالفَائِزَ، وَغَيْرُهُ مِنَ الخَاسِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾.
فَالنَّجَاحُ قِصَّةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَغَايَةُ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى لِهَذَا الكَوْنِ، وَمَا أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وَمَا أُنْزِلَتِ الكُتُبُ، إِلَّا لِدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى النَّجَاحِ الحَقِيقِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَفَلَاحٌ وَنَجَاحٌ وَفَوْزٌ فِي الآخِرَةِ، وَهَذَا مَا يَتَمَنَّاهُ كُلُّ عَاقِلٍ مِنْ بَنِي الـبَشَرِ، وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا مَوْلَانَا بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى مُرَغِّبًا فِي الفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمُحَذِّرًا مِنَ الفَشَلِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.
وَقَدْ وَضَعَ الحَقُّ جَلَّ جَلَالُهُ مُحَفِّزَاتِ النَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا يَأْخُذُ بِأَيْدِي السَّالِكِينَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ:
حِينَ كَتَبَ النَّعِيمَ المُقِيمَ لِمَنْ تَحَقَّقَ بِالعُبُودِيَّةِ للهِ تَعَالَى وَاتَّبَعَ الهُدَى الَّذِي أَنْزَلَهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَمَاتَ عَلَى الاسْتِقَامَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾.
وَحِينَ صَوَّرَ حَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَفَضُوا سَبِيلَ النَّجَاحِ، وَأَصَرُّوا عَلَى سَبِيلِ الغَوَايَةِ وَالفَشَلِ، وَوَصَفَ حَالَهُمْ حِينَ تُعْرَضُ نَتَائِجُ الأَعْمَالِ وَيُعْلَمُ النَّاجِحُ مِنَ الخَاسِرِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾.
فَيَا مَنْ يُرِيدُ الفَلَاحَ وَالنَّجَاحَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَيَا مَنْ يَأْبَى الفَشَلَ وَحَيَاةَ الشَّقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، عَلَيَّ وَعَلَيْكَ بِالإِيمَانِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِي القَلْبِ وَيُصَدِّقُهُ العَمَلُ، عَلَيَّ وَعَلَيْكَ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ المُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، عَلَيَّ وَعَلَيْكَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَنَحْنُ نَسْتَحْضِرُ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.
فَاتِّبَاعُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ شُؤُونِنَا هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا وَفَلَاحِنَا وَنَجَاحِنَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا﴾.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَإِلَّا فَلْنَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ تُوَفِّقَنَا لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ لِأَنْفُسِنَا وَلِمَنْ يَلُوذُ بِنَا؛ اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمِينَ آمِينَ.
أحمد شريف النعسان
** ** **
الْعَاقِلُ هُوَ الَّذِي يَتَوَسَّدُ المَوْتَ إِذَا نَامَ، وَيَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ إِذَا قَامَ، كَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الآخِرَةِ، فَأَخَذَ يَسْعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَيَسْتَحْضِرُ ... المزيد
فَإِنَّ التَّخَرُّجَ مِنَ الجَامِعَةِ وَالتَّفَوُّقَ فِي الدِّرَاسَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَأْخُذُ العَزِيمَةَ فِي الدِّرَاسَةِ، وَلَوْلَا العَزْمُ وَالعَزِيمَةُ لَمَا كَانَ النَّجَاحُ وَالتَّفَوُّقُ فِي ... المزيد
فَقَدْ أَحَاطَ الإِسْلَامُ الأُسْرَةَ بِسِيَاجِ الكَرَامَةِ وَاعْتَبَرَ عَقْدَ الزَّوَاجِ مِيثَاقًا غَلِيظًا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾. فَالْعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ عَلَاقَةٌ كَرِيمَةٌ، وَالحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةُ ... المزيد
الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ الَّذِي رَسَخَ إِيمَانُهُ فِي قَلْبِهِ أَيَّامَ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَالزَّلَازِلِ يَزْدَادُ إِيمَانًا إِلَىٰ إِيمَانِهِ، وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ ... المزيد
كُونُوا عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ تَعْطِيلِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ... المزيد
هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ يُؤْخَذُ بِالتَّلَقِّي مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ المُتَحَقِّقِينَ بِالعِلْمِ، لَقَدْ أَخَذَ الصَّحْبُ الكِرَامُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ ... المزيد