الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا عباد الله: وقفنا في الدرس الماضي مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) [رواه البخاري ومسلم]. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق الأمين، وهو أولى بنا من أنفسنا، وطالما أنه أولى بك من نفسك فعليك أن تترك أهواءك ورغباتك وشهواتك لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حريص عليك أكثر من حرصك على نفسك، لذلك قال لك: (فاظفر بذات الدين)، وإن لم تظفر صاحبة الدين فلتتحمل المسؤولية ولتدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً. النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (فاظفر بذات الدين)، لأنه قد يكون في علم الله لك ولد، وهو ثمرة من ثمراتك، وهو الذي يحمل اسمك من بعدك، ويمتد فعلك من خلال فعله بعد موتك، هو الذي يحفظ ذكرك، ويرفد عملك بعد موتك، فتنتفع من الولد في عالم البرزخ وفي عالم يوم القيامة، وهو يحتاج إلى تربية، لذلك من حق الولد عليك أن تنتقي له أمه، حتى لا يعيَّر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه الديلمي: (تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم) [رواه ابن ماجه]، وتكاد المرأة أن تلد أخاها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس) [رواه الديلمي]، فينبغي أن تنتقي صاحبة الدين، لأن المرأة كادت أن تلد أخاها، فمن حق الولد عليك أن تنتقي أمه، فالإسلام حريص على الولد قبل وجوده، فقبل زواجك اعلم أن ولدك الذي سيأتيك في المستقبل له عليك حقوق، من جملتها أن تنتقي له أمه.
لذلك عندما جاء رجل إلى سيدنا عمر يشكو عقوق ولده، فسأل ولده، فقال: إن أبي عقني قبل أن أعقه، قال: كيف؟ قال: ما انتقى لي أمي، ولم يحسن اسمي، ولم يحسن تربيتي. فمن حق الولد عليك أن تنتقي له أمه، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فاظفر بذات الدين)، وكثير من الناس يختار الحسناء أو الغنية أو صاحبة الحسب ويقول: بعد ذلك أعلمها الدين! أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه)، فدينه وأخلاقه موجودة قبل أن يخطب ابنتك، ويقول: (فاظفر بذات الدين)، أي نشأت في بيت مسلم، أما الناس اليوم فيبحثون عن المال والجمال والحسب...
يروي الإمام الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً)، طبعاً لعزها مع فقد الدين، لأنها عزيزة فتنظر إلى زوجها باحتقار إن لم يكن عندها الدين، لأن صاحبة الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته)، أما هي فصاحبة عزة وليست صاحبة دين فلن تمتثل أمرك، لأنها ترى نفسها فوقك، وإذا كان العبد شهوانياً ينبطح فلا يزداد إلا ذلاً، وهذا الذل إما أن يكون في الدنيا أو في الآخرة، ففي الدنيا لا كلمة للرجل في البيت وكلمة المرأة هي النافذة، ويا حبذا لو كانت امرأة صالحة، فإن لم تكن صالحة فستأمر بمعصية الله، وتنهى عن طاعة الله، فازداد هذا العبد ذلاً، وفي الآخرة هو عبد ذليل لأنه قد يصل إلى درجة يكون معها ديوثاً، لأنها صاحبة عز وتريد أن تخرج متبرجة، كما هو حال طبقتها، وتقول: الحجاب لا يأتي بالشرف للمرأة، لأن الشريفة تبقى شريفة، والدنيئة تبقى دنيئة، فإذا رضي زاده الله ذلاً.
(ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً). لأن الله يغار، الله يقول لك: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}، فينبغي أن تطلب الرزق من الله لا من المخلوق، فإذا التفت العبد إلى المخلوقات لم يزده الله إلا فقراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) [رواه الترمذي]. وإذا بهذا الرجل يطلب من مال زوجته، من ذهبها، أو من تركتها، أو من راتبها، والمرأة المسلمة تقول: هذا من حقي ولن أعطيك. وأنت تزوجت على الكتاب والسنة، والمسلم يعرف الحقوق، فليس من حقك أن تتدخل في مالها، لكن كثيراً من الناس يقول: الذهب ذهبي أنا الذي أتيت به، نعم، ولكن بعد أن ملكته المرأة صار ملكاً لها ولا دخل لك فيه، لأن الله عز وجل جعل لها ملكاً لا يحق لك أن تتدخل فيه، وجعل لك ملكاً لا تتدخل هي فيه، لأن الله عز وجل رزاق، فقد تجد امرأة غنية وزوجها فقير، وقد تجد رجلاً غنياً وامرأته فقيرة.
ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه إلا بارك الله له فيها وبارك لها فيه). لذلك نسمع كثيراً من الشباب بعد أن تزوج لا يستطيع أن يغض من بصره، رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق منك، وهو الصادق الأمين ما جربت عليه البشرية كذباً قط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) [رواه البخاري]، سل نفسك هل تزوجت امتثالاً لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أم تزوجت لأنك شعرت في نفسك أنك بحاجة إلى زواج؟ والفرق كبير بينهما، كمن شرب الماء لأنه عطشان، ومن شرب الماء امتثالاً لأمر الله تعالى: {وكلوا واشربوا}، هذا شرب وهذا شرب، فالأول شرب عادة فلا أجر له، والثاني كتب عند الله من الطائعين الممتثلين لأمر الله. رجل تزوج لأنه بحاجة إلى امرأة فتزوج، والآخر امتثل أمر الله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}، وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فتزوج. والله الذي لا إله غيره من تزوج امتثالاً لأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غض من بصره وحفظ فرجه، ولا يبالي بكل الفتن. أما من تزوج عادة، ولأنه شاب شعر بحاجة إلى الزواج، فربما أن يكون هذا الزواج سبباً لأن يتطلع إلى النساء ولا يكتفي بالحلال والعياذ بالله تبارك وتعالى.
لذلك إذا أردت أن تتزوج أو تزوج ولدك فاظفر بذات الدين، لذلك سيدنا عثمان بن أبي العاص الثقفي أوصى أولاده فقال: يا بني الناكح مغترس، فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه، والعرق السوء قلما ينجب، فتخيروا ولو بعد حين. ولا يعني قوله: ولو بعد حين أن تنتظر حتى تجد المرأة على القياس الذي تطلب، ولكن تريث حتى تظفر بصاحبة الدين، ولو بعد حين، لأن صاحبة الدين تريحك، وتعرف قول الله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن}، فتعرف أن عليها واجبات، فإن عرفت الواجب الذي عليها قامت به، ولو لم تقم أنت بالواجب الذي عليك، كما أن صاحب الدين يقوم بالواجب الذي عليه ولو لم تقم الزوجة بالواجب الذي عليها. فالزوج ينظر في تعامله مع زوجته إلى الله عز وجل، وكذلك الزوجة، عندما تعامل زوجها تراقب الله، وهو عندما يعامل زوجته يراقب الله، فأنا مأمور من الله عز وجل بواجبات نحو الزوجة فأمتثل أمر الله سواء قامت هي بالواجب الذي عليها أم لا، وهي تقول ذلك أيضاً، لأنهم تذكروا قول الله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. بالله عليكم لو كان هذا تعامل الزوجين مع بعضهما فكيف تكون الحياة؟ أنت عبد لله ستسأل عن زوجتك أديت الحق أم لا؟ وسيسألها الله هل أدت الحق أم لا؟ لذلك ابدأ بنفسك لأنك أنت القدوة، قم بالواجب الذي عليك نحوها، وهي كذلك إن قصر زوجها لا تلتفت إلى تقصير زوجها إنما تمتثل أمر ربها عز وجل: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.
أما إذا لم تكن المرأة صاحبة دين فلا تعرف هذه الأمور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني: (إياكم وخضراء الدمن)، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: (المرأة الحسناء في المنبت السوء). هذه المرأة الحسناء في المنبت السوء لا تعرف قول الله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن} ولا تعرف أن عليها واجبات، وإنما تعلم أن لها حقوقاً، وبالتالي تجعل حياة زوجها نكداً، أما صاحبة الدين فإن نظر إليها زوجها سرته إما لجمالها وإما لتجملها، وإن أمرها أطاعته، وزوجها صاحب دين لا يأمرها بمعصية الله، وإن غاب عنها حفظته في نفسها، وهذا أعز شيء عند الإنسان ألا يُمس عرضه، وأعظم المصائب بعد مصيبة الإيمان مصيبة العرض، فإن لم تكن المرأة الحسناء الحسيبة النسيبة ذات المال صاحبة دين فلن تحفظ زوجها في نفسها والعياذ بالله تبارك وتعالى.
لذلك أيها الإخوة في الستينات نشرت بعض الصحف البريطانية مقالاً بعنوان: ثورة في لندن، فتيات في مقتبل العمر تركن منازلهن في المدن والقرى لأن العائلة الإنكليزية تؤمن بالحرية، ـ حرية مطلقة، كالبهائم، لا الزوجة يراقبها الزوج، ولا البنت يراقبها الأب، والقانون يحمي هذه البنت والزوجة، إن كان لها صاحب فلا علاقة لزوجها بذلك، لأن من أكل اللحم تطبع بطباعه، فأهل البوادي يأكلون لحم الجمال فتجد عندهم الجفوة والحِدَّة، وأهل المدن يأكلون لحم الضأن فترى عندهم الوداعة والألفة، والخنازير الذين يأكلون لحم الخنازير يصير الواحد منهم ديوثاً، تركوا الحبل على الغارب ـ فما هي النتيجة؟ في كل يوم أكثر من خمسمئة لقيط، في لندن، والنتيجة أن أكثر من مئة وثمانين ألف لقيط يصلون إلى المشافي ومحاجر الصحة كل عام، وبدأت الثورة في الصحف والمجلات ومجلس البرلمان البريطاني، لا من أجل حماية الأخلاق وصيانة الأعراض، بل أين يذهبون بهؤلاء اللقطاء، وأين يربونهم، لأنهم قالوا: ماذا نفعل بمليون لقيط لا يعرف لهم أب ولا أصل؟ فالمشكلة عندهم ليست محاربة للرذيلة، كما فعل الغرب اليوم لمعالجة مرض الإيدز ما قالوا: إن الزنا حرام، ولكن راحوا يخترعون أساليب وقائية حتى لا ينتقل هذا المرض، بأساليب يعلمونها للشباب والفتيات حتى لا يصيبهم هذا المرض، ونسوا أن يقولوا للناس: توبوا إلى الله، والزنا حرام {إنه كان فاحشة وساء سبيلاً}، ونسوا قول الله تعالى: {ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب ويخلد فيه مهاناً * إلا من تاب}.
لذلك أنت عندما تختار صاحبة الدين فهي التي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحفظك في نفسها ومالك، وصاحبة الدين تريحك ولا تتعبك، وتقف أمام قول الله عز وجل: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}. والمرأة تعرف من وجهها لا من كعبها، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء أصحابه كانت الواحدة منهن حريصة ألا تنكشف قدمها، ويأتي بعض الناس اليوم ليقول: الوجه ليس بعورة. روى الإمام الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة فكيف يصنعن النِّساءُ بِذُيولِهِنَّ؟ قالَ: يُرْخينَ شِبْرًا، فقالتْ: إِذاً تنكشف أقدامهنَّ؟ قال: فيُرْخينَهُ ذِراعًا لا يَزِدْنَ عليهِ)، فهي حريصة على ستر القدم وليست حريصة على ستر الوجه؟
صاحبة الدين هي التي تمتثل قول الله عز وجل: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}، فلا تتعبك، وتسدل على وجهها حتى لا تؤذى، يقول سيدنا علي رضي الله عنه: ألا تستحون؟ ألا تغارون؟ يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها، قبَّح الله من لا يغار.
أيها الإخوة: صاحبة الدين لا تأذن لأحد أن يرى ظفرها، وصاحبة الدين هي التي تقف أمام قول الله عز وجل: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، لا تحرك يديها ليظهر صوت الذهب بيدها لتحرك قلب الرجال إليها، وربنا عز وجل يقول: {فيطمع الذي في قلبه مرض}. وصاحبة الدين لا تخلو مع الرجال لأنها امتثلت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه مسلم.
جاءني مرة إلى دائرة الإفتاء طالب علم وقال: أعطني فتوى، قلت: في أي شيء؟ أنت طالب علم، فقال: إنهم لا يقبلون إلا بفتوى خطية، قلت: ما هي الفتوى؟ قال: بجواز سفر المرأة إلى العمرة بدون محرم! قلت: ما القصة؟ قال: أنا سآخذ رحلة كاملة للنساء، قلت: أنت المحرم لهن جميعاً؟ اتقوا مواطن التهم، أنت طالب علم كيف تسافر هذا السفر؟ أتتاجر بالحج والعمرة؟ تريد أن تربح من كل معتمر مبلغاً من المال وتعرض نفسك للفتنة؟ كيف تسافر المرأة بدون محرم، وخصوصاً في البر؟ كيف تأذن لامرأتك أن تسافر ولو إلى الحج أو العمرة بدون محرم؟ أسأل الله أن يحفظ لنا أستاذنا ومفتينا الدكتور إبراهيم السلقيني، سمعته مرة يقول: عند السادة الشافعية يجوز للمرأة في حج الفريضة والعمرة للمرة الأولى أن تسافر بدون محرم، يقول حفظه الله: وإني على ثقة بأن الإمام الشافعي لو وجد في عصرنا هذا لتراجع عن فتواه، ولكان قوله كقول جمهور الفقهاء: لا يجوز للمرأة أن تسافر ولو لحجة الفريضة بدون محرم. لأنها معرضة للخطر، بالله عليك لو أنك جالس في بيتك واتصلت بك امرأتك وقالت: ادع الله لنا نحن في أرض صحراء وتعطلت بنا السيارة، فهل تنام قرير العين؟ أم يبدأ الغليان في قلبك؟ ولو أنك سمعت أن زوجتك وهي تطوف وقعت في الأرض، مباشرة تقول: من حملها؟ يا أخي الإسلام غيور عليك، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)، فلم تسمح لها بالسفر بدون محرم؟ وهذا في حجة الفرض، أما حجة النفل أو العمرة النافلة فعند جميع الفقهاء لا يجوز. أما إذا أرادت أن تسافر إلى الساحل فهذا على المذاهب الأربعة حرام.
صاحبة الدين والخلق سمعت قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) [رواه مسلم]. فأنت عندما تظفر بصاحبة الدين تنام مرتاحاً. وقد يخطئ بعض الناس وقد ابتلاه الله بزوجة ليست صاحبة دين، عندما يسمع مثل هذا الكلام، وإذا به يذهب إلى البيت عليه الحرام عليه الطلاق بالثلاثة هذا ممنوع وهذا ممنوع وهذا ممنوع... يا أخي إذا كان اختيارك من البداية خطأً، فعليك أن تصبر لمعالجة هذا الخطأ، {ادع إلى سبيل بالحكمة والموعظة الحسنة}، لا تذهب إلى البيت وتنقض على زوجتك وتقول: إما جنة وإما نار، لا يا أخي، لا تضح بزوجتك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم) [رواه البخاري ومسلم]، وكذلك امرأة، كن سبباً في هدايتها، اصبر عليها لأن هذه نتيجة سوء اختيارك، لأن بعض الناس أكرمه الله بالهداية، وكان قد اختار زوجة من الشارع أو من الجامعة أو صديقة أو زميلة وهي سافرة متبرجة، فرجع إلى البيت فوجد بيته على ميزان الشرع صفراً، وإذا به يجعل البيت جحيماً، لا يا أخي، تدرَّج معها في النصح، وتدرج معها في الأحكام، واصبر وصابر حتى تنقلها من سخط الله إلى رضا الله، ولا تتسرع وتقول: هكذا سمعنا من العلماء، لا يا أخي يقول الله تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، ويقول: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}، فكما أن الله هداك وشرح صدرك بعد فترة من الزمن، فاصبر عليها لعل الله عز وجل أن يهديها على يديك. بكل أسف أيها الإخوة، ووالله هو شيء يدمي الفؤاد أن ترى ممن اصطلح مع الله، وكان قبل أن يصطلح مع الله صاحب خلق حسن في بيته وإن وُجدت المعاصي والمنكرات، وإذا به يأتي إلى بيت الله ويصطلح مع الله فعاد من بيت الله إلى بيته بسوء خلق، فأنت كنت قبل ذلك صاحب خلق حسن مع وجود المعصية، وأنت الآن أكرمك الله بالهداية فكيف تعالج نشوز هذه المرأة ومعصيتها؟ لا تكن عنيفاً، بل كن رحيماً، كما علمنا ربنا في القرآن الكريم: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}. هذه السيدة عائشة رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) [رواه أبو داود].
فأنا أرجوك يا أخي إذا كان الله قد أكرمك بالهداية وشرح صدرك للالتزام بدين الله، وكانت زوجتك مقصرة فإياك أن تزيدها نفوراً من دين الله، بل كن صاحب خلق حسن، ووالله أيها الإخوة لا خير في رجل إذا كان خيره بين الناس ينصب صباً، وكان خلقه حسناً مع عامة الناس وهو في بيته سيئ الخلق، فهذا بعيد عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً) [رواه البخاري]، اصبر عليها، وخاصة أنك لم تكن موفقاً في اختيارك، والآن لا تضحّ بها، لأن المسلم يعرف الوفاء ولا يعرف نقض العهود، وسلوا الله لي ولكم حسن الخلق، لأن حسن الخلق ما وجد في شيء إلا زانه، وما فقد من شيء إلا شانه.
أسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم حسن الخلق وحسن الاقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
** ** **
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد
كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد
صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد
القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد
سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد