152ـ كلمة شهر شوال 1440: المسلم صاحب رسالة عظيمة

152ـ كلمة شهر شوال 1440: المسلم صاحب رسالة عظيمة

152ـ كلمة شهر شوال 1440: المسلم صاحب رسالة عظيمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ المُسْلِمُ الحَقُّ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ صَاحِبُ رِسَالَةٍ عَظِيمَةٍ، وَفِي عُنُقِهِ أَمَانَةٌ جَسِيمَةٌ تَتَمَثَّلُ في تَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ الخَالِصَةِ للهِ تعالى، وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرِيعَتِهِ، وَعَدَمِ الغَفْلَةِ عَنْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.

فَهُوَ عَبْدٌ مَيَّزَهُ اللهُ تعالى عَنْ سَائِرِ البَشَرِ، فَهُوَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ، كَيْفَ وَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ، أَلَا وَهِيَ نِعْمَةُ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ، هَدَاهُ اللهُ إِلَيْهَا وَقَدْ ضَلَّ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.

كَيْفَ لَا يَكُونُ العَبْدُ المُؤْمِنُ المُسْلِمُ مُمَيَّزَاً عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾؟

فَضْلُ الاسْتِقَامَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى هَذَا الدِّينِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعَاً مِمَّنْ شَرَحَ اللهُ صُدُورَهُمْ للإِسْلَامِ، وَحَبَّبَ إلى قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمُ المَوْتُ، قَالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ بِالاسْتِقَامَةِ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِأَسَالِيبَ مُتَعَدِّدَةٍ:

تَارَةً جَاءَ الأَمْرُ بِهَا صَرَاحَةً بِصِيغَةِ الأَمْرِ، فَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾. وَقَالَ تعالى آمِرَاً سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَابَ مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

وَبِهَا نَصَحَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ اسْتَنْصَحَهُ، روى الإمام أحمد عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلَامِ قَوْلَاً لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدَاً غَيْرَكَ.

قَالَ: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَدَ الأَمْرُ بِالاسْتِقَامَةِ صَرَاحَةً في القُرْآنِ وَفِي السُّنَّةِ، كَمَا وَرَدَتِ الاسْتِقَامَةُ بِذِكْرِ حَالِ المُسْتَقِيمِينَ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ تعالى وَمَآلهِمْ في الدُّنْيَا وَعِنْدَ المَوْتِ وَبَعْدَهُ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلَاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

الاسْتِقَامَةُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ تعالى حَتَّى المَوْتِ لَا تَحْصُلُ وَلَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِ القَوْلِ وَالادِّعَاءِ، وَإِنَّمَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ العَمَلِ وَالتَّطْبِيقِ، وَهَذَا مَا أَكَّدَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾. فَجَمَعُوا بَيْنَ القَوْلِ وَالعَمَلِ.

وَكَذَلِكَ أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ». فَلَمْ يَكْتَفِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمُجَرَّدِ القَوْلِ، بَلْ أَمَرَهُ بِالاسْتِقَامَةِ العَمَلِيَّةِ.

فَالاسْتِقَامَةُ أَعْلَى مَقَامَاتِ الدِّينِ، وَبِهَا يَرْتَقِي المُسْلِمُ لِأَسْمَى الكَمَالَاتِ، وَأَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، فَدِينُ المُسْتَقِيمِ لَيْسَ فَرِيسَةً للعَابِثِينَ، وَلَيْسَ مَيْدَانَاً للمُتَلَاعِبِينَ، وَلَيْسَ لُعْبَةً للمُنْحَرِفِينَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ فَهُوَ يَتَوَاصَلُ مَعَ إِخْوَانِهِ مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ مِمَّنْ صَفَتْ قُلُوبُهُمْ، فَلَا يَعْرِفُونَ حِقْدَاً وَلَا غِلَّاً وَلَا ضَغِينَةً، يَتَوَاصَلُ مَعَ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ تَرَى لِسَانَهُ مُسْتَقِيمَاً، كَمَا تَرَى جَوَارِحَهُ الظَّاهِرَةَ مُسْتَقِيمَةً عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ أَصْلُ سَعَادَةِ العَبْدِ في الدُّنْيَا وَالبَرْزَخِ وَيَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَصْلُ الاسْتِقَامَةِ اسْتِقَامَةُ القُلْبِ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ تعالى، وَعَلَى حُبِّهِ، وَعَلَى تَفْرِيغِ القَلْبِ مِنَ الأَغْيَارِ، وَبِاسْتِقَامَةِ القَلْبِ تَسْتَقِيمُ الجَوَارِحُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَسْأَلُ اللهَ العَلِيَّ القَدِيرَ أَنْ يَجْعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مَعَ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَزْوَاجِنَا مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ، لَعَلَّنَا أَنْ نَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ. اللَّهُمَّ آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ شوال /1440 هـ، الموافق: 5/ حزيران / 2019م

 2019-06-13
 1080
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

13-03-2024 83 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 83
09-02-2024 422 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 422
13-01-2024 266 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 266
14-12-2023 369 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 369
16-11-2023 490 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 490
16-09-2023 506 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 506

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411761114
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :