5ـ اشتقاق التصوف

5ـ اشتقاق التصوف

حقائق عن التصوف

5ـ اشتقاق التصوف

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

اشْتِقَاقُ التَّصَوُّفِ:

كَثُرَتِ الأَقْوَالُ في اشْتِقَاقِ التَّصَوُّفِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مِنَ الصُّوفَةِ، لِأَنَّ الصُّوفِيَّ مَعَ اللهِ تَعَالَى كَالصُّوفَةِ الـمَطْرُوحَةِ، لِاسْتِسْلَامِهِ للهِ تَعَالَى.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مِنَ الصِّفَةِ، إِذْ جُمْلَتُهُ: اتِّصَافٌ بِالـمَحَاسِنِ، وَتَرْكُ الأَوْصَافِ الـمَذْمُومَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مِنَ الصَّفَاءِ، حَتَّى قَالَ أَبُو الفَتْحِ البستي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

تَنَازَعَ النَّاسُ في الصُّوفِيِّ وَاخْتَلَفُوا   ***   وَظَنَّهُ البَعْضُ مُشْتَقَّاً مِنَ الصُّوفِ

وَلَسْتُ أَمْنَحُ هَذَا الاسْمَ غَيْرَ فَتَىً   ***   صَفَا فُصُوفِيَ حَتَّى سُمِّيَ الصُّوفِي

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مِنَ الصُفَّةِ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ تَابِعٌ لِأَهْلِهَا فِيمَا أَثْبَتَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الوَصْفِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾.

وَأَهْلُ الصُّفَّةِ هُمُ الرَّعِيلُ الأَوَّلُ مِنْ رِجَالِ التَّصَوُّفِ، فَقَدْ كَانَتْ حَيَاتُهُمُ التَّعَبُّدِيَّةُ الخَالِصَةُ الـمَثَلَ الأَعَلَى الذي اسْتَهْدَفَهُ رِجَالُ التَّصَوُّفِ في العُصُورِ الإِسْلَامِيَّةِ الـمُتَتَابِعَةِ.

وَقِيلَ: مِنَ الصَّفْوَةِ، كَمَا قَالَ الإِمَامُ القُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

وَقِيلَ: مِنَ الصَّفِّ، فَكَأَنَّهُمْ في الصَّفِّ الأَوَّلِ بِقُلُوبِهِمْ مِنْ حَيْثُ حُضُورُهُمْ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَتَسَابُقُهُمْ في سَائِرِ الطَّاعَاتِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّصَوُّفَ نِسْبَةٌ إِلَى لُبْسِ الصُّوفِ الخَشِنِ، لِأَنَّ الصُّوفِيَّةَ كَانُوا يُؤْثِرُونَ لُبْسَهُ للتَّقَشُّفِ وَالاخْشِيشَانِ.

وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ، فَإِنَّ التَّصَوُّفَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجُ في تَعْرِيفِهِ إِلَى قِيَاسِ لَفْظٍ، وَاحْتِيَاجِ اشْتِقَاقٍ.

وَإِنْكَارُ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ في عَهْدِ الصَّحَابَةِ

وَالتَّابِعِينَ مَرْدُودٌ، إِذْ كَثِيرٌ مِنَ الاصْطِلَاحَاتِ أُحْدِثَتْ بَعْدَ زَمَانِ الصَّحَابَةِ، وَاسْتُعْمِلَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ، كَالنَّحْوِ وَالفِقْهِ وَالـمَنْطِقِ.

وَعَلَى كُلٍّ فَإِنَّنَا لَا نَهْتَمُّ بِالتَّعَابِيرِ وَالأَلْفَاظِ، بِقَدْرِ اهْتِمَامِنَا بِالحَقَائِقِ وَالأُسُسِ، وَنَحْنُ إِذْ نَدْعُو إِلَى التَّصَوُّفِ إِنَّمَا نَقْصِدُ بِهِ تَزْكِيَةَ النُّفُوسِ وَصَفَاءَ القُلُوبِ، وَإِصْلَاحَ الأَخْلَاقِ، وَالوُصُولَ إِلَى مَرْتَبَةِ الإِحْسَانِ، نَحْنُ نُسَمِّي ذَلِكَ تَصَوُّفَاً، وَإِنْ شِئْتَ فَسَمِّهِ الجَانِبَ الرُّوحِيَّ في الإِسْلَامِ، أَو الجَانِبَ الإِحْسَانِيَّ، أَو الجَانِبَ الأَخْلَاقِيَّ، أَو سَمِّهِ مَا شِئْتَ مِمَّا يَتَّفِقُ مَعَ حَقِيقَتِهِ وَجَوْهَرِهِ، إِلَّا أَنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ قَدْ تَوَارَثُوا اسْمَ التَّصَوُّفِ وَحَقِيقَتَهُ عَنْ أَسْلَافِهِمْ مِنَ الـمُرْشِدِينَ مُنْذُ صَدْرِ الإِسْلَامِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا، فَصَارَ عُرْفَاً فِيهِمْ.

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 23/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 26/تموز / 2019م

 2019-07-27
 2642
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  حقائق عن التصوف

01-11-2020 2227 مشاهدة
27ـ أخذ العهد

مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمُرِيدِ الكَمَالِ أَنْ يَلْتَحِقَ بِمُرْشِدٍ يَتَعَهَّدُهُ بِالتَّوْجِيهِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى الطَّرِيقِ الحَقِّ وَيُضِيءُ لَهُ مَا أَظْلَمَ مِنْ جَوَانِبِ نَفْسِهِ، حَتَّى يَعْبُدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى ... المزيد

 01-11-2020
 
 2227
24-10-2020 1867 مشاهدة
26ـ شروط المرشد

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ زَكَّى نَفْسَهُ عَلَى يَدِ مُرَبٍّ وَمُرْشِدٍ، فَخَبَرَ مَرَاتِبَ النَّفْسِ وَأَمْرَاضَهَا وَوَسَاوِسَهَا، وَعَرَفَ أَسَالِيبَ الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلَهُ. وَآفَاتِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ ... المزيد

 24-10-2020
 
 1867
17-10-2020 2199 مشاهدة
25ـ البحث عن الوارث المحمدي (2)

يَقُولُ ابْنُ عجيبة: (وَالنَّاسُ في إِثْبَاتِ الخُصُوصِيَّةِ وَنَفْيِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: 1ـ قِسْمٌ أَثْبَتُوهَا للمُتَقَدِّمِينَ وَنَفَوْهَا عَنِ الـمُتَأَخِّرِينَ؛ وَهُمْ أَقْبَحُ العَوَامِّ. 2ـ وَقِسْمٌ أَقَرَّوْهَا قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، ... المزيد

 17-10-2020
 
 2199
11-10-2020 1843 مشاهدة
24ـ البحث عن الوارث المحمدي

البَحْثُ عَنِ الوَارِثِ المُحَمَّدِيِّ: مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ أَهَمِّيَّةُ صُحْبَةِ الوَارِثِ الـمُحَمَّدِيِّ للتَّرَقِّي فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ، وَتَلَقِّي دُرُوسِ الآدَابِ وَالفَضَائِلِ، وَاكْتِشَافِ العُيُوبِ الخَفِيَّةِ وَالأَمْرَاضِ ... المزيد

 11-10-2020
 
 1843
11-10-2020 2070 مشاهدة
23ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (6)

قَالَ شَيْخُنَا الكَبِيرُ مُرَبِّي العَارِفِينَ وَالدَّالُّ عَلَى اللهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ الهَاشِمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَاسْلُكْ يَا أَخِي عَلَى يَدِ شَيْخٍ حَيٍّ عَارِفٍ بِاللهِ، صَادِقٍ نَاصِحٍ، لَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ، وَذَوْقٌ صَرِيحٌ، ... المزيد

 11-10-2020
 
 2070
10-03-2020 2922 مشاهدة
22ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (5)

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد زَرُّوق رَحِمَهُ اللهُ في قَوَاعِدِهِ: (أَخْذُ العِلْمِ وَالعَمَلِ عَنِ الـمَشَايِخِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِهِ دُونَهُم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49] ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ ... المزيد

 10-03-2020
 
 2922

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5698
المقالات 3216
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423359914
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :