12ـ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ (2)

12ـ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ (2)

12ـ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ العَلَقِ: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدَاً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾. هَذِهِ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ تَعْرِضُ صُورَةً مِنْ صُوَرِ الطُّغْيَانِ، صُورَةً مُسْتَنْكَرَةً يَعْجَبُ مِنْهَا، وَيُفَظِّعُ وُقُوعَهَا في أُسْلُوبٍ قُرْآنِيٍّ فَرِيدٍ: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدَاً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾. تَشْنِيعٌ وَتَعْجِيبٌ وَاضِحٌ، أَرَأَيْتَ هَذَا الأَمْرَ المُسْتَنْكَرَ؟ أَرَأَيْتَهُ يَقَعُ؟ هَلْ مِنَ المُمْكِنِ وَالمَعْقُولِ أَنْ يَقَعَ هَذَا الأَمْرُ مِنْ إِنْسَانٍ عِنْدَهُ مَسْكَةُ عَقْلٍ؟

أَرَأَيْتَ حِينَ تُضَمُّ شَنَاعَةٌ إلى شَنَاعَةٍ؟ وَتُضَافُ بَشَاعَةٌ إلى بَشَاعَةٍ؟ أَرَأَيْتَ حَقَارَةً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ الحَقَارَةِ؟ أَرَأَيْتَ هَذَا الطَّاغِيَةَ كَيْفَ يَنْهَى عَبْدَاً يُصَلِّي للهِ تعالى، مَعَ أَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ المَنْهِيَّ هُوَ عَلَى الهُدَى، وَهُوَ يَأْمُرُ بِالتَّقْوَى؟

نَعَمْ، لَقَدْ كَانَ الطَّاغِيَةُ أَبُو جَهْلٍ يَنْهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ، التي هِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى هُدَىً، وَأَنَّهُ يَأْمُرُ بِالتَّقْوَى.

روى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلُمَّ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى كِتَابِهِ أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ.

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، هَلْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ.

قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، وَلَكِنْ بَنِي قَصِيٍّ قَالُوا: فِينَا الْحِجَابَةُ؛ فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: فِينَا الْقِرَى؛ فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: فِينَا النَّدْوَةُ؛ فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: فِينَا السِّقَايَةُ؛ فَقُلْنَا نَعَمْ؛ ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا، حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ؛ وَاللهِ لَا أَفْعَلُ.

لَقَدْ كَانَ يَنْهَاهُ حِقْدَاً وَحَسَدَاً وَبُغْضَاً مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، وَأَنَّهُ يَأْمُرُ بِالتَّقْوَى وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ عِنْدَمَا سَأَلَهُ هِرَقْلُ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟

قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. رواه الإمام مسلم.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَهُوَ مَهْدِيٌّ، بَلْ وَهَادٍ، حَمَلَ أَعْبَاءَ هِدَايَةِ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، أَرَأَيْتَ أَيُّهَا الرَّائِي إِنْ كَانَ المَنْهِيُّ عَنِ الصَّلَاةِ التي يُصَلِّيهَا، وَالذي يَتَعَرَّضُ لِهَذَا الاضطِهَادِ مِنْ هَذَا العَبْدِ المُتَجَبِّرِ الطَّاغِي، هُوَ عَلَى هُدَىً مِنْ أَمْرِهِ، هُوَ عَلَى هُدَىً في عَقِيدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الهُدَى، وَيَدْعُو النَّاسَ إلى الهُدَى، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ تعالى، وَيَتَّقُوا عَذَابَهُ؟

أَرَأَيْتَ هَذَا الصِّنْفَ مِنَ النَّاسِ؟ أَرَأَيْتَ هَذَا الضَّالَّ المُضِلَّ؟ أَرَأَيْتَ هَذَا الذي كَذَّبَ اللهَ تعالى، وَكَذَّبَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَ الرِّسَالَةَ، وَتَوَلَّى عَنْهَا؟ أَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَجَّبَ أَمْرَهُ أُولُو الأَلْبَابِ، لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِعَذَابِ اللهِ الأَبَدِيِّ؟

لَو سَأَلْتَ هَذَا العَبْدَ الذي يَنْهَى عَبْدَاً إِذَا صَلَّى: مَنْ خَلَقَكَ؟ لَيَقُولَنَّ: اللهُ، فَلِمَاذَا يُكَذِّبُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالكِتَابَ الذي جَاءَ بِهِ؟ ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾؟

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 22/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 19/كانون الأول / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  تفسير القرآن العظيم

05-11-2020 1281 مشاهدة
26ـ ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾

﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ إِشَارَةً إلى المُعَذَّبِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ، حَيْثُ يُشْرِفُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ في سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ المَلَائِكَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ... المزيد

 05-11-2020
 
 1281
30-10-2020 1288 مشاهدة
25ـ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾

بَعْدَ القَرَارِ النِّهَائِيِّ الذي تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في حَقِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ تَفْكِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَرَيُّثٍ ... المزيد

 30-10-2020
 
 1288
30-10-2020 1026 مشاهدة
72ـ ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾

إِنَّ حَالَةَ الكِبَرِ هِيَ الحَالَةُ التي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إلى بِرِّ الوَلَدِ، وَذَلِكَ لِتَغَيُّرِ الحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالكِبَرِ، لِذَا أَلْزَمَ الشَّارِعُ في هَذِهِ الحَالِةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا ... المزيد

 30-10-2020
 
 1026
22-10-2020 1145 مشاهدة
24ـ ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾

التَّفْكِيرُ هُوَ العَمَلُ البَدَهِيُّ للعَقْلِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ وُجُودِ عَقْلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ، لِأَنَّ العَقْلَ المَشْلُولَ لَيْسَ بِعَقْلٍ، بَلْ هُوَ جِهَازٌ مُعَطَّلٌ، وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. ... المزيد

 22-10-2020
 
 1145
15-10-2020 1801 مشاهدة
23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

لَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَاتُ أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَاتِ عَلَى أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ قَدْ أَدْرَكَ عَظَمَةَ مَا سَمِعَ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ المَجِيدِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ البَشَرِ، وَعَبَّرَ عَنْ دَهْشَتِهِ، وَلَكِنَّهُ ... المزيد

 15-10-2020
 
 1801
08-10-2020 1504 مشاهدة
22ـ ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (3)

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في سُورَةِ المُدَّثِّرِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾. هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ذَرْنِي ... المزيد

 08-10-2020
 
 1504

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413189121
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :